فريد غصن ملك العود ومهندسه

التاريخ زاخر بالموهوبين في شتى المجلات منهم من حظى بالشهرة الواسعة ومنهم من توارت الأضواء عنه بعد رحيله وفي المجال الموسيقي علينا أن نتذكر الموسيقار الياس نعمة الله شلالا الشهير بـ فريد غصن فهو من مواليد عام 1912 في بلدة حياطة قضاء كسروان فى لبنان ولكن عائلته هاجرت إلى الأرجنتين ثم إلى مصر وكانت أمنية والده عازف عود أن يصبح ابنه طبيباً ولكن فريد تأثر بوالده وبجاره الموسيقي اليوناني العجوز الذي عرف أن الطفل الصغير فريد يختزن موهبة نادرة فتولى الموسيقي اليوناني تعليم فريد المبادئ الموسيقية إبتداءًا من قراءة النوتة ومروراً بتوزيع الألحان حتى التلحين ومن هنا بدأت الموهبة تبرز في أعمال فريد غصن ملفتة لأنظار الكبار

الموسيقار فريد غصن بدأ حياته العملية في الفن عازفاً على العود في فرقة أمير الكمان سامي الشوّا ثم في فرقة الشيخ أمين حنين وانتقل بعد ذلك إلى فرقة منيرة المهدية التي صحبته معها في رحلات خارجية كان أبرزها إلى تونس وكان في تلك الفترة يعمل نهاراً في مطبعة وفي عام 1932 عمل فريد غصن رئيسا لفرقة بديعة مصابني لمدة 15 عام

الموسيقار فريد غصن امتلك ثقافة موسيقية عالية ودرس أصولها بفرعيها الشرقي والغربي وكان ملمّاً بعدة لغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية فقد أمضى في أمريكا الجنوبية 10 سنوات متواصلة

فريد غصن لقّب بملك آلة العود ومهندسها وقال عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب إنه أضاف الأسلوب الاسباني على عزف العود كما قال عنه مدير الموسيقار مدحت عاصم مدير الإذاعة إنه نابغة العود الذي يضمن لهذه الآلة مرتبة رفيعة في الفرقة الموسيقية

يعد الموسيقار اللبناني فريد غصن أحد أعمدة الموسيقى العربية إبان العصر الذهبي في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وتميّز في كتابة الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام إلى جانب الأغاني وكان يوصف بالملحن المجدد إذ حاء بالعديد من القوالب والأشكال الحديثة وأدخلها الموسيقى العربية وهو أول من لحّن باللغة العربية ألحاناً موزّعة لأربعة أصوات سوبرانو وآلتو وتينور وباص وله مقالات موسيقية عديدة نشرت في الصحافة المصرية وهو من طور المناهج الحديثة لآلة العود في لبنان وعلى مدى خمسين عاماً أنار الشموع في طريق الكثيرين من الفنانين أوصلتهم إلى الشهرة

الموسيقار فريد غصن تزوج من امارسيل أنستاسيو وأنجبا ثلاثة نعمة الله ونادر وعايدة

تتلمذ العديد من المطربين والموسيقيين على يد الموسيقار فريد غصن ومنهم الفنانة أسمهان وشقيقها الفنان فريد الأطرش الذي اكتسب من الموسيقار فريد غصن قوة في عزفه وخصوصاً باستخدام اليد اليمنى وكان فريد الأطرش يردّد دائماً: (فريد غصن دا صاحب نعمتي)

قدم فريد غصن العديد من الألحان لنخبة من الأصوات الغنائية وأثناء رحلاته الفنية إلى تونس التقى فريد غصن بوكلاء تابعين لجمعية دولية مقرها باريس وتسمى جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى وكان الوكلاء يقومون بتحصيل رسوم بنسبة سبعة في المائة من دخل حفلات المسارح والملاهي بحكم قانون الملكية الأدبية والفنية، لتوزّع على المؤلفين والملحنين، شرط أن يكونوا أعضاء منتسبين للجمعية المذكورة واهتم فريد غصن بهذا الأمر فسافر إلى فرنسا وانضم إلى الجمعية وحين رجع راح يقنع الفنانين بفكرة إقامة فرعٍ للجمعية في مصر ولقيت دعوته تجاوباً إذ تألفت هيئة تحضيرية برئاسة محمد عبد الوهاب كما تناولت الصحف المصرية الموضوع باهتمام وشكلت الجمعية (فرع مصر) من محمد عبد الوهاب رئيساً وفريد غصن وكيلاً له والأعضاء بديع خيري ويوسف وهبي وصالح جودت ونجيب الربحاني وبثينة إبراهيم خيري وأبو السعود الأبياري وسليمان نجيب ويوسف جوهر وغيرهم وكانت المبالغ الأولى التي حصلت عليها الجمعية من المركز الرئيسي في باريس تقارب ثلاثين ألف جينه مصري ووزعت على المستحقين واستمرت الجمعية تعمل بجدية وتحصل على حقوق المؤلفين والملحنين بانتظام وتوزعها على أصحابها. وشجع هذا الأمر فريد غصن لأن يرسل شقيقه إميل عازف الكمان المعروف إلى بيروت ليتصل بزملائه الفنانين ويمهّد لهم سبل الوصول إلى حقوقهم أسوة بالفنان المصري وبالفعل نجح إميل وتألفت جمعية مماثلة في لبنان من توفيق الباشا ووديع الصافي وعفيف رضوان والأخوين الرحباني وأسعد سابا وأسعد السبعلي وزيادة عواد وعبد الجليل وهبي وشفيق أبو شقرا وفلمون وهبة وغيرهم

ظل الموسيقار فريد غصن يعمل فى القاهرة إلا أن حبه لبلده لبنان دفعه للعودة إلى ربوعه في عام 1957وعمل في الإذاعة اللبنانية ملحناً وفي المعهد الموسيقي الوطني مدرساً للغناء والعزف على آلة العود

عام 1970 أصيب الموسيقار فريد غصن بمرض أقعده نحو 15 عاماً وأعاق عمله الفني وفى الأول من شهر سبتمبر عام 1985 فاضت روحه إلى بارئها.