الخميس ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠٢٥
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

تحييد أساليب «فرّق تسد»" نحو بيئة عمل أكثر تماسكا

في العديد من أماكن العمل، يوجد أشخاص يزدهرون باتباع استراتيجية "فرّق تسد". أشخاص لا يستطيعون العمل دون زرع الفتن، والتلاعب بالعلاقات، وتدبير الصراعات للحفاظ على السيطرة والنفوذ. غالبا ما يكون هؤلاء الأشخاص مدفوعون برغبة عميقة في السلطة والتحقق، فيمارسون سلوكيات تزعزع استقرار الجماعة وتستغل نقاط الضعف المتاحة. فهم يتنصتون على المحادثات، وينشرون الشائعات، ويجمعون المعلومات بعناية لاستخدامها كأداة ضغط، ويجندون الآخرين، مما يخلق بيئة من انعدام الثقة والانقسام. ويعتمد نجاحهم على وجود زملاء ضعفاء الإرادة، يستغلونهم ويعزلونهم، وعلى إدارة غير فعالة، مهزوزة، ومرتعشة، يستغلونها بمهارة لمصلحتهم. ولا مانع مع هذه الاستراتيجية من نشر الشائعات، و"التلطيش" بالكلام هنا وهناك، مع الصوت العالي الأجوف، واجتزاء ما قيل و"تحبيشه" بتوابل الكذب والادعاء. تقدم هذه المقالة تحليلا نفسيا لهؤلاء الأفراد، مستكشفة دوافعهم وأساليبهم والبيئات التي تمكن سلوكهم السام.

من الناحية النفسية، غالبا ما يُظهر هؤلاء الأشخاص سمات مرتبطة بالميول التلاعبية والنرجسية، على الرغم من أنهم قد لا يستوفون دائما معايير التشخيص السريري للاستيفاء بسمات هذا النوع من الشخصيات. وتنبع أفعالهم من حاجتهم للسيطرة على محيطهم، والتي غالبا ما تنبع من انعدام الأمن أو الخوف من التجاهل أو الانكشاف كأشخاص غير كفؤين. كما يُظهرون سمات ميكافيلية، حيث ينظرون إلى العلاقات كأدوات لتحقيق أهداف شخصية دون مراعاة تذكر للأخلاق أو مصالح الآخرين. وتدفعهم ميولهم النرجسية إلى البحث عن الإعجاب والتأثير، إذ يبالغون في تقدير كفاءتهم ويضعون أنفسهم كوسطاء أو مقربين لا غنى عنهم في النزاعات التي يثيرونها. ويسمح لهم تعاطفهم الضعيف باستغلال نقاط ضعف الآخرين دون ندم، متظاهرين بالقلق لكسب الثقة قبل التخلي عن الحلفاء عندما لا يعودون مفيدين. يكمن وراء مظهرهم الواثق يقظة مفرطة، وحاجة دائمة لجمع المعلومات من خلال التنصت أو التحقيق، مما يضمن لهم التفوق في مكان العمل.
يستخدم هؤلاء الأفراد مجموعة من الأساليب لتعزيز الانقسام والحفاظ على نفوذهم. إنهم بارعون في جمع المعلومات، والتنصت على الآخرين، وتحديد التوترات أو انعدام الانسجام داخل الجماعة. بهذه المعرفة، يتشاركون المعلومات بشكل انتقائي، وغالبا ما يبالغون في التفاصيل أو يختلقونها لإثارة الخلافات بين الأشخاص. على سبيل المثال، قد يخبرون زميلا في العمل أن زميلا آخر انتقد عمله، مما يثير الاستياء بينما يقدمون أنفسهم كحليف متعاطف. أو مثلا يظهرون تحيزا ما مع صغار المكانات ويبدون تعاطفا مزيفا لهم. أو يظهرون الاستعداد للمساعدة ويدعون معرفة علية القوم، وهم في داخلهم يعلمون أنهم لا ينوون القيام بذلك. في السياق الجامعي، على سبيل المثال، يتلصصون على زملائهم، ويسألون الطلبة عما يتم تدريسه لهم، ويشغلون أنفسهم بإشراف فلان أو علان، ويسعون جاهدين لتلويث سمعة الآخرين حتى يبدوا أنهم الأفضل أو الأهم، أو الأكثر معرفة، وبمجرد حدوث مشكلة يتدخلون كأنبياء تقاة، ومصلحين أوفياء!!! يتم ذلك في سياق مضحك جدا، حيث ربما لا يدرون، أو يعرفون ويتجاهلون، أو ينطوون على مساحات غباء مزمن وعقيم، أن السياق، بأفراده وطلابه، يعرفهم، ويحددهم، ويقيمهم، ويعرف فراغهم الأخلاقي والأكاديمي!!!

يستهدف هؤلاء الأشخاص الأفراد ضعاف الإرادة - أولئك الذين يسهل التأثير عليهم أو يسعون للحصول على الموافقة - ويقدمون لهم صداقة أو مجاملة زائفة لتجنيدهم كحلفاء في مخططاتهم. أما الأشخاص الأقوياء والمستقلون الذين يشكلون تهديدا لنفوذهم، فيتم عزلهم بشكل منهجي من خلال الشائعات أو التحالفات التي تُشكل ضدهم. كما يتفوق هؤلاء الأشخاص في كسب ود المدراء الضعفاء أو سريعي التأثر أو المهزوزين المرتعشين، فيقدمون أنفسهم كمخبرين مخلصين ويغذون روايات متحيزة لكسب النفوذ. إن قدرتهم على التلاعب بالمعلومات والعلاقات تسمح لهم بتدبير النزاعات مع البقاء فوق مستوى الصراع.

يعتمد نجاح هؤلاء الأشخاص بشكل كبير على بيئة عمل متساهلة، وخاصة تلك التي تتسم بقيادة عتيقة غير فعالة. فالمديرون الضعفاء، الذين غالبا ما يفتقرون إلى الذكاء العاطفي أو الحزم اللازمين لتمييز السلوك المتلاعب، يمكنون هؤلاء الأفراد من النجاح. قد يتجنب هؤلاء القادة مواجهة الصراعات، مما يسمح بتفاقم السلوكيات السامة، أو يعتمدون على ثرثرة زملائهم كمصدر للأفكار، ظنا منهم أنها معلومات قيمة. وبإهمالهم تماسك الفريق، يخلق هؤلاء المديرون فراغا يملأه هؤلاء المتلاعبون بالانقسام، مما يعزز اعتماد القادة عليهم في المعلومات ويزيد من ترسيخ سلطتهم. وتخلق هذه الآلية حلقة مفرغة، حيث تزعزع آليات هؤلاء الأشخاص استقرار الفريق، وتعزز الفوضى الناتجة عن ذلك نفوذهم على الإدارة.

وتتجاوز دوافع هؤلاء الأشخاص مجرد مكان العمل، لتعكس احتياجات نفسية أعمق. حاجتهم للسيطرة تعوض عن شعورهم بالعجز أو عدم الكفاءة في جوانب أخرى من حياتهم، وبخلق الفوضى، يضعون أنفسهم في موقع المتحكم، ويدبرون ​​النتائج لمصلحتهم. ويعد الانقسام شكلا من أشكال الحفاظ على الذات، إذ يمنع الأشخاص من الاتحاد ضدهم ويقلل من خطر التدقيق. إن قدرتهم على التلاعب بالآخرين تغذي شعورهم بالتفوق، حيث يثبت كل مخطط ناجح مكرهم.

إن تأثير هؤلاء الأشخاص على بيئة العمل عميق وواسع النطاق. فسلوكهم يضعف الثقة، ويثير حذر الأشخاص، ويقلل من التعاون والتواصل المفتوح. كما أن الصراع المستمر الذي يغذونه يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية، وانعدام المشاركة، والإرهاق بين أعضاء الفريق. كما أن الطاقة المستنفدة في التعامل مع المشاكل الشخصية تقلل من الإنتاجية، مما يؤدي إلى انخفاض الكفاءة. ومع مرور الوقت، قد يغادر الموظفون الموهوبون هربا من البيئة السامة، بينما يظل هؤلاء المتلاعبون متحصنين، مما يعزز نفوذهم، خصوصا بعد وصولهم لنهايات أيامهم، وحصادهم المر لسلوكياتهم المختلة والحقيرة. ويصبح مكان العمل ساحة معركة، حيث يلقي الانقسام وانعدام الثقة بظلاله على الأهداف المشتركة والنجاح الجماعي.

ويتطلب معالجة تأثير هؤلاء الأشخاص تدابير استباقية من المؤسسات والأفراد على حد سواء. والقيادة القوية ضرورية، حيث يعزز المديرون الشفافية، ويعالجون النزاعات مباشرة، ويتجنبون الاعتماد على الوشاة المتحيزين. ويمكن لبناء الفريق المنتظم والتواصل المفتوح أن يقلل من فرص الانقسام، بينما تصعب مقاييس الأداء الواضحة والتوثيق على المتلاعبين التهرب من اللوم أو المبالغة في المساهمات. إن دعم الأشخاص الأقل حزما من خلال الإرشاد أو التدريب يُمكن أن يساعدهم في مقاومة التلاعب. وينبغي على الأشخاص أيضا كشف أساليب التلاعب بهدوء وحزم، باستخدام الأدلة لكشف السلوك دون تصعيد الخلاف. إن فهم دوافع وأساليب هؤلاء الأشخاص الذين يفرقون ويسيطرون، يمكن للمؤسسات تعزيز ثقافة الثقة والتعاون، مما يحيد تأثيرهم ويعزز بيئة عمل أكثر صحة وإنتاجية. وإذا ترك هؤلاء الأفراد دون رادع، فسيواصلون نشر الخلاف، مما يقوض عمل الفريق ونجاح المؤسسة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى