
دار الشعر بمراكش تحتفي باليوم العالمي للشعر

احتفاء باليوم العالمي للشعر وبتنسيق مع المديرية الجهوية للثقافة جهة درعة تافيلالت والمركز الثقافي في تنغير، تنظم دار الشعر بمراكش، تظاهرة "ملتقيات الشعر الجهوية" في دورتها الخامسة 2025، بجهة درعة تافيلالت يومي 21 و22 مارس 2025 على الساعة التاسعة والنصف ليلا. ويحتضن المركز الثقافي في مدينة تنغير فعاليات هذا الملتقى، والذي اختار تكريم أحد الوجوه الإبداعية في الجهة الشاعر والكاتب عبدالرحيم سليلي.
كما تشهد التظاهرة تنظيم أماسي شعرية، تشهد مشاركة شعراء وشواعر يمثلون مختلف التجارب والحساسيات والأجيال بالجهة، ومنتدى حواري خصص محوره لموضوع "الشعر والفرجة" وينظم بتنسيق مع مختبر البحث في الدراسات الأدبية واللسانية والفنية والفلسفية وماستر التواصل السيميائي بالكلية المتعددة التخصصات في الراشيدية، كما يفتتح معرض لإصدارات شعرية ونقدية من منشورات دائرة الثقافة في حكومة الشارقة، الى جانب فقرات فنية تمثل تراث المنطقة.
و تندرج هذه البرمجة الجديدة، والتي أطلقتها دار الشعر بمراكش في دورتها الأولى بجهة مراكش أسفي (2021) ودورة ثانية بجهة العيون الساقية الحمراء (2022) ودورة ثالثة بجهة سوس ماسة (2023) ودورة رابعة بجهة كلميم واد نون (2024)، ضمن تظاهرة "ست جهات.. ست ملتقيات شعرية جهوية"، للاحتفاء بالشعر المغربي و بالشعراء المغاربة. وخط الشاعر المحتفى به، عبدالرحيم سليلي، نداء الدورة الخامسة لملتقيات الشعر الجهوية، وهو تقليد يسعى لإبراز صوت الشاعر وإعطائه حضورا مضاعفا في ذاكرتنا الإبداعية والثقافية.
ملتقيات الشعر الجهوية، مبادرة ثقافية تسعى الى الاحتفاء بالتنوع الثقافي المغربي، وتشجيع وتحفيز الأصوات الشعرية الجديدة، وتوسيع قاعدة الفعل الثقافي في اعتماده على القرب، ومد إشعاع الدار الى مختلف الجهات الترابية التابعة لها. ست جهات مغربية جنوبية، تشهد ملتقيات شعرية جهوية، في مبادرة نوعية غير مسبوقة، تسعى الى خلق تقاليد ثقافية جديدة تتناسب وراهن المشهد الثقافي اليوم في المغرب.
ويحتضن المركز الثقافي بتنغير هذه الفعاليات، على امتداد يومي 21 و22 مارس على الساعة التاسعة والنصف ليلا، في انفتاح بليغ من دار الشعر بمراكش على مختلف مدن وجهات المملكة. فيما تحتضن الكلية المتعددة التخصصات بالراشيدية، السبت 22 مارس على الساعة العاشرة والنصف صباحا، فعاليات المنتدى الحواري والذي خصص لموضوع الشعر والفرجة، بمشاركة ثلة من النقاد والباحثين.
ويشارك في هذه التظاهرة، شعراء وشاعرات ونقاد وباحثين يمثلون مختلف الأجيال والتجارب، كما ينتمون الى مختلف مدن جهة درعة تافيلالت (الراشيدية، تنغير، ورزازات، زاكورة، ميدلت، قلعة مكونة، كلميمة..). وتسعى هذه التظاهرة الى تقديم الأصوات الشعرية الجديدة، في حضور لأسماء وتجارب كرست تجاربها في خريطة المدونة الشعرية المغربية، على تنوعها وغناها.
نداء الشاعر
يكتبه عبدالرحيم سليلي
منذ البدء وُجِدَتِ الكلمة لتكون سلاح الإنسان في مواجهة العالم، ورفيقة درب كفاحه فيه.. وليكونَ السلاح فعالا، والرفقة ملهمة، دافئة بالحب، مضيئة بالكشف، كان لا بد لهذه الكلمة أن تختار هويتها؛ فانحازت للشعر المجبول على الانفتاح والمنحوت من طين الاستطاعة والتمَكّن، استطاعة جعلته الابتكار الإنساني الخارق، القادر على احتواء الكينونة بأشيائها وتفاعلاتها الظاهرة والخفية، بل إن قدراته اللامحدودة جعلته المهد الأول لكل الفنون بأصنافها المكتوبة والمرئية؛ ففي تربته الخصبة، أبدع الشاعر سرديته للحياة البدائية في ملاحم خالدة، توثق مسيرة التحدي التي طبعت حياة الناس مذ صاروا شركاء للكائنات الأخرى في الدَّب على الأرض، فجاءت الملاحم في بلاد ما بين النهرين، وأرض الإغريق لتقدم نفسها باعتبارها المصدر الأكثر غنى لتاريخ الشعوب التي أنتجتها. ولما ضاقت الملحمة بأفكار وهواجس وآمال الناس، ولم يعد بمقدورها مواكبة الذائقة الجماعية لمجتمع المدينة المجبول على التجديد والتجاوز، فتح الشعر نافذته على أفق الدراما في محاولة جريئة لاحتواء الكينونة على ركح صغير، استطاع الحوار الشعري أن يختزل الأرض والإنسان فيه، ويضمن نوعا من التعايش التفاعلي مع قوى المحيط وأشيائه، رغبة في تطهير النفس مما قد يعلق بها من كدمات وجراح في حرب البقاء المريرة.
ولم تكتفِ قريحة الشاعر بالقصيدة التي تسرد نوعا خاصا من الحكاية وتقنع بالوقوف عند حدوده؛ فتفتقت عن نص غنائي يموج بالحياة، أغناه شعراء أمم الأرض بالمحلي والشخصي، ومنحه الشاعر العربي جرعة إضافية من الانفتاح؛ ليفتحه على كل أنواع أجناس الكتابة: تحدث فيه عن الصحراء وساكنيها وحكامها، فكان له سبق التأريخ بالشعر، وألهم قبيلة المؤرخين إلى ضرورة حفظ وقائع الأمم لأجيالها اللاحقة. ووصف رحلاته وأسفاره فابتكر سرد الرحلة؛ ليجعل من البيت والبيتين المخصصين لهذا الغرض في قصيدته الطويلة مفتاحا لرحلات طار صيتها في الآفاق؛ فألهمت العالم إلى اكتشاف نفسه. وبين كل هذه السرود سَرَدَ هذا الشاعر ذاته، مؤمنا أن قصيدته التي ستصبح مكان لقاء لجميع أجناس القول، هي أصدق وثيقة يمكنها أن تحفظ مجمل تاريخه الشخصي مجاورا لتاريخ جماعته؛ فاستحق شعره أن يسمى ديوان العرب الناطق بأخبارهم وأيامهم.
لقد صاحب الشعر الإنسان مذ تنفس نسمة الحياة على الأرض، لأنه كان الأقرب إلى روحه، فاستعمله لإحياء أفراحه، وواجه به عقوق الواقع في مواسم الأتراح. ولم يقف دور القصيدة عند هذا الحد، بل مدت أصابعها الجسورة إلى الأفق الأبعد، وفكرت في غد الكينونة محاولة استشراف وجهه برؤية نفاذة لا تقف عند الظاهر. وبما أننا ورثة سر الكلمة الشاعرة لا بد لنا أن نؤمن أن الزمن والشعر لا ينفصلان، وأننا، ما دمنا نتحرك داخل إطار الزمن، فنحن بحاجة إلى هذا الرفيق العالم والحكيم الحالم؛ لنكون جديرين بالعيش في عالم لم يعد يرغب في السكينة؛ عالم جننته الآلة وأثارته ضد أطفاله، ليخرجهم من مدارس بنيت كي يترنموا فيها بقصائد الحب والسلام إلى ساحات حرب، خلقت منهم آلات قتل ودروعا بشرية!
إننا مدعوون إلى التحلي بشجاعة الشاعر الإغريقي الذي رصد صراع الإنسان الحالم مع الآلهة، وجرأة الشاعر العربي جواب الآفاق، وحكمة الشاعر الأمازيغي الذي جعل العيش ممكنا على جبال الأطلس المتمنعة حين صدح بمواويله ليجعلها بلاغا للموادعة والسلام بين إنسان الجبل وكائناته، وبين شعبه وباقي شعوب الأرض التي وفدت عبر بوابتي البحر والصحراء.
لنكن في مستوى رسالة الشعر، ونقل مرحى للسلام في زمن يُسخر فيه الإنسان كل طاقته لينتج آلات دماره، وليكن بيان الترحيب قصائد حالمة تنتصر للإنساني فينا، وتدبج للعالم أشعار حب تجعله مكانا صالحا للإقامة.