الثلاثاء ١٨ آذار (مارس) ٢٠٢٥
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

قارئ القرآن الكريم الشاب الكفيف ورحلته المميزة

برزت موهبة شابة عبقرية تُدعى محمد أحمد حسن كمنارة للإلهام، آسرة القلوب بتلاوته الشجية للقرآن الكريم. وُلد هذا الشاب المصري البالغ من العمر ثمانية عشر عاما كفيفا، لكنه تحدى الصعاب ليصبح إماما في صلاة التراويح بالجامع الأزهر الشريف في القاهرة. وقد أبهر إتقانه لعشر قراءات قرآنية مختلفة العلماء والمصلين على حد سواء، مما أكسبه مكانة مرموقة بين مشايخ الأزهر.

وُلد محمد أحمد حسن في عائلة متواضعة بمصر، وقد غطت عيناه الظلام منذ ولادته. كان العمى، الذي يُنظر إليه غالبا على أنه قيد، هو اللوحة التي برزت عليها مواهبه الاستثنائية. منذ صغره، كان ارتباطه بالقرآن عميقا. فبينما كان الأطفال الآخرون يلعبون في الشوارع، كان محمد يجد العزاء في إيقاع الآيات القرآنية ورنينها، فكان عقله الحاد وأذناه الحساستان تستوعبان كل فارق في التلاوات التي يسمعها.

أدركت عائلته موهبته مبكرا. ففي سن الخامسة، بدأ حفظ القرآن الكريم، بتوجيه من معلمين محليين أعجبوا بقدرته على حفظ أجزاء واسعة منه رغم عجزه عن رؤيته. شحذ عمى بصره حواسه السمعية، مما سمح له باكتشاف الفروق الدقيقة في النبرة والنطق التي قد يغفل عنها العديد من القراء المبصرين. وقد أرست هذه الموهبة الفطرية الأساس لإتقانه لاحقا لفن القراءة المعقد.

وراء صعود محمد، تقف أمه، امرأة شكل إيمانها وعزيمتها مساره. ففي مجتمع تعتبر فيه الإعاقة وصمة عار، رأت أمه في عمى ابنها ليس لعنة، بل علامة إلهية على هدفه الفريد. أصبحت معلمته الأولى، ورفيقته الدائمة، وداعمته الشرسة. يوما بعد يوم، كانت تجلس معه، تتلو عليه الآيات وتساعده على ترديدها حتى ترسخت في وجدانه. كان صوتها جسره الأول إلى القرآن، وصبرها مرساه.

عندما أعرب محمد عن رغبته في متابعة الدراسات القرآنية الرسمية، أخذت والدته على عاتقها المهمة الجسيمة المتمثلة في ضمان حصوله على أفضل تعليم. واجهت تحديات لوجستية - نقله إلى المعلمين، وتأمين الموارد، وتهيئة بيئة منزلية تزدهر فيها مواهبه. كان إيمانها بإمكانياته راسخا، وغرست فيه صمودا مكنه من تجاوز محن رحلته. من نواح عديدة، كانت البطلة المجهولة في قصته، إذ مهدت تضحياتها الطريق للمعجزات التي تلتها. كما كانت نقطة التحول في حياة محمد عندما دخل قاعات جامعة الأزهر الشريفة، معقل العلوم الإسلامية العريق في القاهرة. وبتوجيه من علمائه الأجلاء، انكب على دراسة القراءات العشر، ولكل منها قواعدها في النطق والإيقاع.

بالنسبة لطالب كفيف، لم تكن الرحلة خالية من التحديات. فقد تطلب منهج الأزهر الشاق ذاكرة وانضباطا استثنائيين، وهي صفات امتلكها محمد بوفرة. زودته الجامعة بموارد متخصصة، بما في ذلك مواد برايل ومرشدين متفانين، لكن إصراره هو ما دفعه إلى الأمام. في غضون فترة وجيزة، حقق مستوى من الكفاءة أذهل أساتذته، مما أكسبه شرفا نادرا بإمامة صلاة التراويح في الجامع الأزهر وهو في الثامنة عشرة من عمره فقط. وقف أمام جمع ضم نخبة من أبرز علماء الإسلام في العالم، وملأ صوته المكان المقدس، شهادة على القوة التحويلية لبيئة الأزهر الحاضنة.

يقف محمد أحمد حسن اليوم رمزا للمثابرة والإيمان والإمكانات اللامحدودة الكامنة في كل فرد. لقد أصبح عمى عينيه، الذي كان حاجزا في يوم من الأيام، جسرا إلى قلوب لا تحصى، وتلاواته تذكيرا بجمال القرآن الكريم الخالد. دعم والدته المتواصل منحه جذورا، بينما منحه الأزهر أجنحة للتحليق.. وبينما يواصل التلاوة، وإمامة الصلاة، وإلهام الآخرين، تتحدى قصة محمد أن ننظر إلى ما وراء المرئي، وأن نسمع المقدس في الصمت، وأن ندرك أن البصيرة الحقيقية تكمن في الروح. في عصر يسوده التشتت، يدعونا هذا القارئ الشاب الكفيف إلى نور القرآن الكريم الخالد، آية آية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى