

مذكرات توني بلير
المطالبة بتصنيفها ضمن كتب الجرائم في بريطانيا
مذكرات توني بلير مجدت الأمريكان وأعادت فتح جروح المناهضين لغزو العراق
احتلت مذكرات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير والتي حملت عنوان «رحلة»، والتي بدأ بتسويقها في المكتبات العالمية الشهر الماضي، المرتبة الحادية عشرة من الكتب الأكثر بيعاً على مستوى الموقع الإلكتروني البريطاني «أمازون».
ووفقاً لصحيفة «الغارديان» البريطانية فقد طالبت مجموعة احتجاج في موقع التلاقي الاجتماعي«فيسبوك»، منذ الأيام الأولى لصدور المذكرات، بتصنيفها ضمن كتب الجرائم في المكتبات البريطانية.
وقد جذبت مجموعة الاحتجاج الآلاف من المشتركين، حتى نهاية الأسبوع المنصرم، ويطالب هؤلاء بالضغط على المكتبات لدى تصنيفها لما سمته «أفظع مجرم حرب تعرفه أجيالنا المعاصرة».
وقاد فكرة الاحتجاج الالكتروني طالب بريطاني ـ يدرس التمريض ـ ويدعى يوان بوث، للاحتجاج على سجل بلير الإجرامي في الحرب على العراق.
وكان يوان يخطط ـ حسب قوله ـ لتلطيخ مذكرات بلير بسائل أحمر كدم مزيف لكنه عدل عن ذلك ليقوم باحتجاجه بطريقة سلمية نظراً لمواصلة بلير بتكرار ذات «الأكاذيب المستفزة» أمام البريطانيين وفقاً لقوله.
ومن الملفت للانتباه أن بعض العاملين في المكتبات استجاب لهذا الاحتجاج ، وتشير إحداهن إلى أنها وضعت نسخة من مذكرات بلير في قسم مآسي الحياة وأخرى في قسم قصص الرعب والخيال العلمي.
ومما جاء في مذكرات بلير، الذي يعمل حالياً مبعوثاً للرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط ، قوله إنه يحس «بأسف عميق» تجاه الضحايا الذين قتلوا في الحرب بالعراق، مجدداً تأكيده عدم ندمه على قرار الغزو سنة 2003م وإسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وكتب بلير «أعتذر للأرواح التي سقطت خلال الحرب»، وأضاف: «الشعور بالقلق ينبع من الحزن والألم الذي يعصر قلوبنا عندما نسمع أخباراً سيئة».
وتابع بلير: «أنا متأسف جداً للأرواح التي أزهقت.. أشعر بأن كلمات التعزية والمواساة غير كافية بالمرة».
وحول الاتهامات بأن الحرب في العراق قد وسعت من نفوذ تنظيم القاعدة وإيران قال بلير: «نحن لم نتوقع أن يكون للقاعدة أو إيران دور في مرحلة ما بعد الحرب».
ورغم كل الخسائر البشرية والمادية التي نتجت عن الغزو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، أكد بلير مجدداً في مذكراته أن خيار الحرب كان صحيحاً.
وقال : "على حسب المعلومات التي كنا نتوفر عليها، ما زلت مقتنعاً بأن ترك صدام حسين في السلطة يعد خطراً أكبر بكثير على أمننا".
وأضاف بلير: "رغم أن الخسائر كانت فادحة، فإن الحقيقة أن إبقاء صدام وأبنائه ممسكين بزمام السلطة في العراق، كان سيكون أسوأ بكثير".
في عشق بوش وتمجيد الأمريكان!
وكتب بلير ـ وهو أوثق حلفاء الرئيس الأميركي السابق جرج بوش الأبن ـ "لا يمكنني أن أندم على قرار الذهاب إلى الحرب.. يمكنني أن أقول إنني لم أتوقع قط الكابوس الذي تداعت أحداثه" ، في إشارة إلى أعمال العنف في العراق التي لم تتوقف منذ الغزو الأميركي.
وكانت مصادر بريطانية مطلعة ذكرت أن "رحلة" بلير "ليست أكثر من رسالة حب" إلى الرئيس الأميركي السابق بوش ، وحسب صحيفة "نيوز أوف ذي وورلد" فإن بلير أطرى على "ذكاء ورؤية" صديقه بوش، ووصفه بأنه كان "حساساً" وكان "مدركاً تماماً" لعواقب غزو العراق في عام 2003م.
وقالت مصادرها، التي اطلعت على مسودات المذكرات، إن بلير وصف بوش بـ"السياسي الوحيد في العالم الذي امتلك الشجاعة لمواجهة تنظيم القاعدة" بعد هجمات 2001م.
وأضافت إن بلير كتب أنه سُحر بـ"شجاعة وقوة وتفاني بوش"، ورأى فيه "صديقاً شديد الذكاء والبصيرة".
كما ذكر بلير أن الأميركيين كانوا الوحيدين الذين امتلكوا "رؤية فعالة" بشأن التعامل مع القاعدة ونظام صدام حسين ، ودافع بلير عن الطريقة التي حاول بها بوش التعامل مع احتمال وقوع حرب شبه أهلية بالعراق بعد غزوه في مارس/آذار 2003م، وعن الذهاب إلى الحرب على العراق دون قرار ثانٍ من مجلس الأمن يجيزها.
واعتبرت المصادر البريطانية أن المذكرات أكبر دفاع كتب حتى الآن عن بوش، وتوقعت أن تصدم المناهضين للحرب في بريطانيا، وتعيد فتح جروح حزب العمال الذي تزعمه توني بلير على مدار 13 عاماً، خاصة بعد إعلان أربعة من خمسة مرشحين لرئاسته أنهم ما كانوا ليشاركوا في الحرب لو تقلدوا رئاسة الحكومة لحظة اندلاعها.
وقد عالجت هذه المذكرات مواضيع مختلفة، فبالإضافة إلى غزو العراق، تحدث بلير عن مسلسل السلام في إيرلندا الشمالية، وعلاقته "المتوترة" مع وزير المالية البريطاني ـ آنذاك ـ "غوردون براون"، الذي خلف بلير في الحكم، حيث هاجمه بشدة ، واتهمه بتقويض خططه لتحديث بريطانيا عندما كان وزيراً للمالية في حكومته.
إضافة إلى قضايا أخرى تلخص عشر سنوات من تقلد بلير رئاسة الوزراء.
وبحسب الصحف البريطانية، فإن توني بلير حصل من دار النشر راندوم هاوس، على تسبيق مالي ـ مقابل نشر مذكراته ـ بلغ قيمته 4.6 ملايين جنيه إسترليني (حوالي خمسة ملايين ونصف مليون يورو) في وقت من المتوقع أن تحقق فيه مبيعات المذكرات أرباحاً كبيرة.
وقد أكد بلير أنه سيتبرع بكل ما حصل عليه ، وكل ما ستحققه المبيعات من أرباح لجمعية تعنى بشؤون الجنود البريطانيين ممن أصيبوا بجروح أقعدتهم.
وجهة نظر تحليلية ناقدة
من جهتها تناولت الكاتبة البريطانية " ماري آن سيغارت " جوانب من مذكرات بلير التي نشرها عبر كتابه "رحلة"، بالنقد والتحليل، وقالت إن لدى بلير الكثير من الدروس والعبر التي يمكن أن يتعلم منها من يأتون بعده.
وأوضحت "سيغارت" في مقال نشرته لها صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية أن كتاب بلير يحتوي على دروس وعبر يمكن حتى للإدارة البريطانية الحالية الاستفادة منها، خاصة أن قلة من رؤساء الوزراء المنتهية ولاياتهم يقدمون عصارة خبراتهم لمنافسيهم أو خصومهم السياسيين كما فعل بلير في مذكراته.
وقالت "سيغارت" إنه يمكن لرئيس الوزراء البريطاني الحالي ديفد كاميرون وأعضاء حكومته الاستفادة من الدروس والعبر التي احتوتها مذكرات بلير، والتي قد تتطلب المرء قضاء سنوات عديدة من الخبرة حتى يحصل على ما قدمه رئيس وزراء سابق من خبراته بشكل جاهز حسب ما ترى.
وأوضحت الكاتبة أن من الدروس المستقاة من مذكرات بلير تلك المتمثلة في إحاطة رئيس الوزراء البريطاني الحالي نفسه بمجموعة من المستشارين الذين لا يخافون قول الحقيقة.
وأضافت الكاتبة البريطانية أنه ينبغي لكاميرون أيضاً أن يكون مستعداً للتخلي عن مستشاريه إذا قدموا ما لديهم، وأن لا يقنع نفسه بأنه لا يمكنه الاستغناء عنهم أو أنه لا يمكن استبدالهم، وأن تلك كانت غلطة بلير بشأن أليستر كامبل وأنجي هنتر التي ندم عليها.
وبينما ترى الكاتبة أن رئيس الوزراء لا ينبغي له أن يكون جدياً فوق العادة في منصبه، تقول إن بلير فعل ذلك مشيرة إلى لقاء جمعه مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حيث بدا الأخير حيوياً وواثقاً من نفسه وهو يشرح لمضيفه بشأن خططه تجاه بلاده فرنسا وتجاه أوروبا والعالم، مما حدا ببلير أن يصفه بكونه يشبه نابليون بونابرت.
ومن الدروس الأخرى المستفادة من مذكرات بلير من وجهة نظر الكاتبة، تلك المتمثلة في عدم سماح رؤساء الوزراء لأنفسهم بالتآكل، موضحة أن بلير يوصي في مذكراته بأنه لا ينبغي لرؤساء الوزراء الامتعاض من الشأن السياسي مهما بلغت تعقيداته.
من جانب آخر، ذكرت "سيغارت" إن المشكلة في مذكرات بلير تكمن في إصراره على قناعاته السابقة المتمثلة في اعتقاده بكونه كان صائباً في أي شيء أو مسألة أو قضية قام بدعمها أو تأييدها، من غزو العراق وما يتعلق بالدستور الأوروبي وغيرهما.
وتمضي بالقول إن أبرز الدروس أمام كاميرون أن يترك منصبه ويغادر عندما تحين الفرصة، لا أن يبقى متمسكاً بالمنصب حتى يصبح محط غضب وسخرية الجماهير كما جرى مع بلير.
واختتمت الكاتبة بقولها إن بلير كان يتمنى لو أنه ترك الشأن السياسي وهو في ذروة شعبيته وتألقه عام 1997م، وتضيف: "ليت بلير أصغى لنصيحة نفسه" بنفسه.