

قصائد في رثاء شهيد معركة القسطل
عشية ضياع فلسطين في العام 1948م، بأيام معدودة خاض القائد الفلسطيني البطل عبد القادر الحسيني معركة القسطل الشهيرة#، التي تعد من أبرز وأهم محطات النضال الوطني الفلسطيني في تاريخ فلسطين الحديث.
وقد كُتبَّ الكثير عن حياة الحسيني ودوره الوطني وبطولاته في التصدي للمشروع الصهيوني والعصابات الإرهابية اليهودية، وحروبها المعلنة ضد شعبنا العربي الفلسطيني منذ ثلاثينات القرن الماضي.
وبمناسبة مرور الذكرى الثالثة والستين لاستشهاد القائد الحسيني، وسقوط قرية القسطل يوم الثامن من نيسان (أبريل) 1948م، وبعيداً عن الكتابات التاريخية والسياسية، نرصد في مقالنا هذا ما جادت به قريحة شعراءنا الفلسطينيين والعرب، من أبيات وقصائد خلدت صفحة مشرقة من تاريخ صراعنا الطويل والمرير مع الحركة الصهيونية وعصاباتها الإرهابية التي سلبت الأرض وشردت الشعب.
الحسيني ومعركة القسطل في سطور..
يعد الشهيد عبد القادر الحسيني أحد القادة العسكريين والوطنيين الفلسطينيين، والده الزعيم الوطني موسى كاظم الحسيني. ولد عبد القادر عام 1908م في مدينة استانبول، في تركيا. وتلقى علومه الأولى في مدينة القدس. وفي سنة 1927م التحق بكلية العلوم في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وهناك عايش الحركة الوطنية المصرية في نهوضها، وطرد من مصر نهاية سنة 1932م، نتيجة لنشاطه الوطني.
عاد عبد القادر إلى فلسطين ليعمل محرراً في صحيفة « الجامعة الإسلامية »، التي كان يترأس تحريرها الشيخ سليمان التاجي الفاروقي. ثم انضم إلى الحزب العربي الفلسطيني، الذي ترأسه المرحوم جمال الحسيني. ثم عمل مأموراً في دائرة تسوية الأراضي في فلسطين. وفي هذه الدائرة تمكن عبد القادر من إحباط أكثر من محاولة استيلاء على أراضي عربية. على أنه بعد اقل من سنتين استقال من عمله في تسوية الأراضي، حتى يحضر للثورة على الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية.
ومع اشتعال ثورة (1936م - 1939م) لجأ عبد القادر إلى الجبال وخاض عدة معارك مع الجنود البريطانيين، أهمها معركة الخضر في 4/10/ 1936م، التي سقط فيها القائد السوري سعيد العاص شهيداً، كما أصيب عبد القادر الحسيني إصابة بالغة، وتمكنت القوات البريطانية من أسره، لكنه نجح في الفرار من المستشفى العسكري في القدس وتوجه إلى دمشق حيث استكمل علاجه.
مع بداية سنة 1938م عاد عبد القادر إلى فلسطين، وتولى قيادة الثوار في منطقة القدس. وفي أوائل شهر أيار (مايو) من تلك السنة قاد هجوماً كبَّد القوات البريطانية في القدس وبيت لحم والخليل وأريحا ورام الله وبير السبع خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات. ونجح في القضاء على فتنة دينية كان الاحتلال البريطاني يسعى إلى تحقيقها ليوقع بين مسلمي فلسطين ومسيحييها.
وفي خريف سنة 1938م أصيب عبد القادر بجراحٍ بالغةٍ، في معركة غبر متكافئة مع الجنود الإنجليزي، نقل إثرها إلى المستشفى البريطاني في الخليل، حيث قدموا الإسعافات الأولية له ثم نقلوه خفية إلى سورية، فلبنان ومن هنا نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي، يحمل اسم محمد عبد اللطيف.
في بغداد عمل عبد القادر مدرساً للرياضيات في المدرسة العسكرية في معسكر الرشيد وفي إحدى المدارس المتوسطة، ثم التحق في أول نيسان (أبريل) سنة 1940م، بدورة لضباط الإحتياط في الكلية العسكرية مدتها ستة أشهر.
وما بين عامي (1941م و1947م) عاش عبد القادر الحسيني في العراق والسعودية ومصر، ثائراً مقاتلاً المحتل البريطاني ومدافعاً عن الحق العربي.
وما أن صدر القرار الأممي القاضي بتقسيم فلسطين في 29/11/1947م قررت الهيئة العربية العليا تشكيل « منظمة الجهاد المقدس المسلحة»، وعين الحاج محمد أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا قائداً على الجهاد المقدس. في حين احتل عبد القادر الحسيني موقع القائد العام لهذه المنظمة. وانتقل إلى فلسطين في 22/12/1947م وألف « مجلس قيادة الثورة» و «لجنة التموين وحشد النجدات».
وبالرغم من ميل ميزان القوى العسكري إلى صالح العصابات الصهيونية المسلحة من نواحي التدريب والتسليح والحجم، فإن قوات الجهاد المقدس، بقيادة عبد القادر الحسيني تمكنت من إحراز انتصارات هامة.
وفي أواخر شهر آذار (مارس) سنة 1948م توجه عبد القادر الحسيني إلى دمشق طلباً للسلاح من جامعة الدول العربي لكن رجاؤه خاب وأثناء غيابه عن القدس سقطت قرية القسطل في أيدي العصابات الصهيونية المسلحة فعاد ومعه ستون بندقية انكليزية قديمة وعشرة مدافع رشاشة وبضع قنابل هي كل ما استطاع انتزاعه من الجامعة العربية ولجنتها العسكرية فضلاً عن ثمانمائة جنيه فلسطيني أعطاه إياها الحاج أمين الحسيني. ووصل عبد القادر إلى القدس صباح 7/4/1948م فنظم هجوما مسلحاً على القسطل استطاعت قواته خلاله أن تسترد الموقع في اليوم التالي، وتشاء الأقدار أن يختم هذا القائد المغوار مسيرة حياته النضالية شهيداً، أثناء القتال تاركاً وراءه زوجة وثلاثة أبناء وابنة وقد دفن عبد القادر الحسيني في القدس إلى جانب والده.
في رثاء القائد الشهيد:
في كتابه القيم « الأدب العربي المعاصر في فلسطين»، يورد البحاثة الأكاديمي الدكتور كامل السوافيري قصيدة في رثاء القائد الشهيد عبد القادر الحسيني، للشاعر الكبير الشهيد كمال ناصر (1924م – 1973م)#، بعنوان «مصرع البطل القائد الشهيد»، كان ناصر قد ألقاها في الحفلة التأبينية التي أقامتها كلية «بير زيت » للبطل الفقيد، يقول ناصر في قصيدته:
أيُّها الموت تهْ علينا وفاخرلَمْ يطشْ سهَمْك اللّئَيم الغادِرأنْت لَمْ تَطْوهِ صغيراً ولكنْقد تداعتْ في مقلَتَيه الكَبائِرأنْت لَمْ تَطوهِ جباناً ولكِنقد تهَادَى إليْك نشوان ظافِركمْ تحاشَيْت أن تراهُ فأِلْوىيتحدّاك رابط الجأْشِ ثائِركمْ سعى في مَجالك الخصْب حتّىبتّ تلْقاه خاشِع الطَّرف خاسِر******أيُّها المَوْت لا تَسلْ أنْت أدْرَىكَيْف يردى إلى حِماك المغامِردُونكَ النَّعش هلْ تَرى مَن عَلْيهتَلك أُنشُودة الْجِهاد الطَّاهررددى صَوتَها الشجى وضجّىيا لَيالي، وزغردِى يا مَقابرزّارك اليَوْم فارس عربيّعانِقِيه فذاك عبد القادر******ومَشى القائِدُ الكبيرُ إليْهملعباً بالشّباب والشّيب زاخرورمى جَبْهة الصَّعاليك بالنَّاروللصَّعاليك منّا الخناجرهِيه يا موت أيْن أَنْت فلبتعُصْبة الموت من وراء المحاجرِفإذا الأرْض شُعلة ألْهبتهاهَمَسات الجهاد عَبْر الحَناجرفجثا الحصن في يَديْه ولاحَتراية المجْد بهجة للنَّواظرورَنا صامِتاً وفي مقْلَتيْهومضة النّصر في صُدور البَواترفإذا قبضة الرَّدى تدّعيهلا انتقاماً وإنّما للمفاخروإذا الفارسُ الأبي طريحاًفوق أرْض ندية بالمآثرلَم يرعْهُ الرَّدى ولكنْ عرتْهُمثْلَما يعْترى الغريب المُهاجرلاحَت الدَّار دارهُ ثمَّ أغفَتمقلتاه عَلى الطُّيوف السَّواحر******يا فِلسطين لا تُبالي فإنَّاقد روينا والخصم ظَمْآن صاغِرما اغْتَصْبنا المجدَ الأثيل ولكنقَدْ ورثْناهُ كابراً عَنْ كابِريا فِلَسْطين لا تُراعي فَفيناهمَّة تصْفَع الزَّمان القاهِرِكلُّ شبْرٍ عَلَى أديمكسوْفَ يُفْديه شَعْبك المتَضافركلّ فردِ معذَّبِ بأمانيهعلَى أمانيك يقظان ساهِرمزٍّقي حالِك الظَّلامِ وسيريبالْميامِين عبر هذي المجازرفحرامٌ عليْك أنْ يطلعُ الفَجْروفي رُبوعك الخضُرْ كافر******يا فقيد الشَّباب حسْب المنَايالَوعة أن تَقُول ماتَ القادرُشَمتت زُمرة العِدا واستطارتلحمِاها تزُفّ فيك البَشائِرهذه دمْعتي تثُور بجفنيثمَّ تَهْوى خضيبة في الخَواطِرنمْ عَلَى سِدرة الخُلود فهذاخالِد قد أعد فيها الشعائرلَك ذِكر كالدّهر يَبْقى جنيافي جَبين الخُلود ريَّان عاطِر
ونقرأ قصيدة للشاعر الراحل منيف الحسيني (1899م – 1989م)#، بعنوان « في ذكرى الشهيد عبد القادر الحسيني »، أوردها الأديب الأردني الراحل يعقوب العودات (البدوي الملثم)، في كتابه الرائد « أعلام الفكر والأدب في فلسطين»، كان قد ألقاها في حفلة أقيمت في « جمعية الشبان المسلمين » بالقاهرة إحياءً لذكرى الشهيد الحسيني، وقد صورّ فيها مأساة فلسطين، وما انتابها من عوادي الأيام وصروف الليالي، نقتطف منها هذه الأبيات:
يا فلسطين قد رَمَتْكِ اللياليبسهامٍ من الرزايا قَواصمْفاسأل القَسْطَل الذي ضرسَتْهُبضعةٌ من نيوبِ تلك الضَراغِمْو«الحسينيُّ» مقبلٌ وقد بَسط الموتُجناحيه والخطْبُ داهِمْيا أبا فيصلٍ" وموسى وغازي#وسليلَ الكُماةِ من فَرع هاشِمْقد لقيتَ الرّدى ببأسٍ شديدٍوبثغرٍ يوم الكريهةِ باسمْومشتْ حولك الميامينُ تتْرىفي حنينٍ إلى الشهادةِ دائموبريقُ الحديد يلمع حيناًثم يَخفى في عِثْيَرٍ مُتراكمنَعمتْ عينُ من رأى الأروعَ القسّــامّ فخرَ بيضِ العمائمحنينٍ إلى الشهادةِ ..
كما أورد الدكتور راضي صدوق في مؤلفه « شعراء فلسطين في القرن العشرين ـ توثيق أنطولوجي»، قصيدة ثانية في رثاء شهيد معركة القسطل، للشاعر الراحل فتح الله السلوادي#، عنوانها: « ذكرى استشهاد عبد القادر الحسيني» جاء فيها:
عَلَم الجهادِ الحرِّ عبد القادرذكراك بالإكبار تملأ خاطريالقَسْطَلُ الحمراء تذكُرُ هِمَّةَّشَّقَّتْ ِلنَيْلِ المجدِ حُجْبَ مخاطرِوحديثُ بأْسِكَ عِزَّةٌ وكرامةُرَفْعت لدى التِّذكارِ هامةً فاخرِآثَرْتَ موتَ الأكرمين فلم تمتْأنت المُخَلَّد، أنت صَرْحُ مآثرِما مَاتَ مَن دَفَعَ الهَوانَ بروحهِومضَى بعزَّةِ أرْيَحيٍّ طاهرِلكنَّ من يَرْضي الحياةَ ذليلةًمَيْتٌ وإنْ لم يَثْوَ بين مقابرِ****يابْنَ البُطولةِ نم قريرَ العينِ فيخُضْر الجِنان على النَّعيم الوافرِبين الدِّيار شبيبةٌ جّبَّارةٌستَعودُ للأوطان صَوْلة قاهرِذِكْراكَ لا تَفنى فكلُّ فتى بنايَلْقى به الأعداءُ عبدَ القادرِهي غَيْمَةٌ رَبْداء حَلَّ قَتامُهابِخَديعةٍ تمَّتْ بأَمس الدابرِسَتِزيلُها ريحُ البُطولةِ في غدٍويَعُودُ للفرْدَوْسِ كلُّ مُغَادرِ
ونقرأ قصيدة ثالثة في كتاب صدوق آنف الذكر، للشاعر المتميز غسان زقطان# عنوانها: « عبد القادر الحسيني »، يقول فيها:
كما أنت...لم تطرق الأربعينولم تفتح الباب كي يدخل العمرلا شيْب في الشعرغبارٌ على زيك العسكريّ الأخيردخانٌ على الجرحشمس مبلّلة فوق كمّكوالوقت عصر.كما أنتنادى عليك الشبابولم تسترحْ بعد ..،نفس الثيابونفس الدماء على فضّة الأرضتسند قلبك للباب .. كيما نمروتقطف من حزنه زهرنا... تبلّلنا الشمس في طرف كمّكخمسين عامنخّبئ جرحك في كل قلبٍ ودارٍ وجرحننقّل صوتك بين البيوت وتحت السنابلترسمه في الأماسي النساء لأولادهنّونخفي جوادك عن كل عينونسرجه كل صبح.كما أنت..أجملنا يا أخانا الكبيرنسير إليكوتأتي لنالخمسين عام # ونحن هناكوأنهت هنا ........ليكن ترابك، مثل قلبك، صافياًومباركاً وطريّ ...لم تهدأ الدنياكأنك لم تزلْ فيهاتهز على تلال القدس جيشك كاملاًملكاً... تتوّجه خواتم شعره العربيّ.قصيدة رثاء من العربية السعودية..
في ديوان «الصدى الضائع » للشاعر السعودي الراحل أحمد بن راشد آل الشيخ مبارك#. نطالع قصيدة «في رثاء الشهيد عبد القادر الحسيني»، ويقال أن هذه الأبيات عُلِّقت على أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، وجاء فيها:
فِدىً لك قومٌ دون سعيِك سَعْـيُهموإن مَلَأ الدُّنيا بِمَسعاهُمُ الزّمرُفَعَلَتَ وقالوا وانتضيتَ وأحجموافليتهُمُ الثاوي وأنت لنا الذُّخرُلَقِيتَ الرَّدى مثل الرَّدى في مَضائهإلى أن قضى أو كادَ يَقتُلُهُ الذُّعرُفآبَ وفي كَفَّيْهِ أنفَس مُهجةٍورُحْتَ وبُرْدَاك الشهادة والفخرُفإن أصبَحَتْ ذي الأرضُ بعدَك مأْتماًفقد زَهَتِ الفِردوس حين الْتَقَى السَّفْرُتلقَّتْكَ بالبُشرى هناك ملائكٌوحفَّ بك الفاروق والنَّفَر الغُرُّوتاهَ صلاحُ الدين عُجْباً وقدْ رأىغِراساً لها أخلاقُـهُ الماءُ والبذرُوتاهَ أبوتـمام يـرنوا بمقـلةٍعن الـملأ الأعلى إليك وتـفـتَرُّفتىً مات بين السيف والضرب مِيتةًتقومُ مقامَ النصرِ إن فاته النصرُ ‘‘وأثبت في مستنقع الموت رجلهوقال لها مِن دون أخمصُكِ الحشرُرضِيتَ الرَّدى دون الأَسار دريئةًولَمَّا تقُلْْ أمران أحلاهما مرُّومن طلب النصر المُبين بسيفهفليس له إلا المَمَاتُ أو النصرُبني السِّبط لن تذهبْ دِماؤكُمُ سُدىًففي كُلِّ جَنْبٍ مِن خوافِقِنا ثأرُحرامٌ على غير السيوف دِماؤكُمْأكـان لها في هام بيتِكُمُ وِتْـرُألستُمْ بني القوم الذين توارثَتْدِمَاهُمْ على الجُـلَّى المُثَـقَّفَةُ السُّمْرُوإمَّا رَنَتْ للمجد منكم عظيمةٌيُدكُّ فضاء الله أو يُدرَكُ الأمرُيَطيبُ غُبَارُ النَّقْعِ في لَهَوَاتِِكُمْإذا طاب في أفـواهِ غيرِكُمُ الخمرُسَيَعلَمُ قومٌ ضاعَ ثأرُك بينَهُمْبِأنَّ لهم يوماً وإن سَوَّف الدَّهرُ-
أهم المصادر والمراجع:
راضي صدوق، شعراء فلسطين في القرن العشرين ـ «توثيق أنطولوجي»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2000م.
د. كامل السوافيري، الأدب العربي المعاصر في فلسطين، (1860-1960 م)، دار المعارف، القاهرة، 1975م.
يعقوب العودات (البدوي الملثم)، أعلام الفكر والأدب في فلسطين، الطبعة الثانية، وكالة التوزيع الأردنية، عمان، 1987م.
.............................................................
تنويه:
نشرت هذه المادة في موقع بيت فلسطين للشعر، بتاريخ: 18/04/2011م.