الثلاثاء ٢١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم أنس الحجار

عيد ورثاء

عيد الستين

قبل ذهابه إلى دمشق ليجري العمل الجراحي للقلب كتب هذه القصيدة وكان سينشرها بعد أن يشفيه الله عند بلوغه ستين عاماً بتاريخ:
16 / 10 / 2008
إلا أنه توفي في دمشق بعد العمل الجراحي بتاريخ:
5 / 10/ 2008

تودِعُ عشـرةً أخـرى سُنونـي
وقد ولّى الشبـابُ فأدركونـي
 
مضتْ بينَ الأحِبّةِ .. كيف تُنسى
وزهـرُ رياضِهـا مـن ياسميـنِ
 
فؤادي ظلّ يشربُ من كـؤوسٍ
يعبّ الأنْسَ مـن عِنَـبٍ وتيـنِ
 
أعانِقُ بالـرؤى أحـلامَ طفـلٍ
وأنتظـرُ المخبـأ عـن عُيونـي
 
قصائدُ كنـتُ أحياهـا بِوحـيٍ
وأبنـي فـوقَ قمتِهـا حُصونـي
 
أعيشُ مع الملائـكِ فـي جِنـانٍ
بها ماشِئتُ مـن حُـورٍ و عيـنِ
 
لهـمْ بالـروحِ أفئـدةٌ تغـنّـي
ونورٌ فـي الملامِـحِ و الغُضـونِ
 
بهـمْ أزدادُ حسّـاً وانفـعـالاً
إذا التقتِ الفنونُ مـعَ الفُنـونِ
 
تغوصُ قلوبُهمْ فـي عمـقِ بحـرٍ
وتعلـو بالسمـاءِ بـلا سفيـنِ
 
أحلّـقُ بالمشاعـرِ فـي سـمـاءٍ
أضمُّ بها النجـومَ .. وتحتوينـي
 
فكمْ أطفأتُ مـن نـارٍ وشـوقٍ
وكمْ أظهرتُ مـن بـوحٍ دفيـنِ
 
شربتُ الكأسَ من خَمرٍ وحُـبٍّ
فلّذ ّالشعرُ فـي دنيـا المُجـونِ
 
وظلّـتْ نشوتـي تـزدادُ حتـى
بلغتُ بأوجِهـا حَـدّ الظنـونِ
 
تَكلّمَ كلّ ذي حِـسٍّ رخيـصٍ
وقـال بأنّنـي خالفـتُ دينـي
 
وأنّ ضلالتـي أودعـتُ فيهـا
فؤاداً ظلّ يعبـثُ فـي جُنـونِ
 
يُمـارسُ مايشـاءُ ولا يبـالـي
ويمـضـي دونَ زادٍ أو معـيـنِ
 
أنـا والنـاسُ فـي كـرٍّ وفـرٍّ
أقاومُ ما استطعتُ بـلا رُكـونِ
 
أقولُ الشعرَ ... أشرحُ ما أعانـي
وليـسَ بجعبتـي غيـر الأنيـنِ
 
لعمري قد كشفتُ بهـا نُفوسـاً
وقلتُ لها كمـا تبغيـنَ كونـي
 
كؤوسُ الحُبّ دوماً حينَ تصفـو
لهـا ولغيرهـا كـأسُ المنـونُ
 
تُحبّ من الحيـاةِ بلـوغَ شـأوٍ
وتنسى الخَلقَ مـن مـاءٍ مهيـنِ
 
نفوسٌ بالهـوى اتخـذتْ شعـاراً
وظنّتْ نفسهـا فـوقَ الظنـونِ
 
لأجلي فلْتَمُـتْ كـلُّ البرايـا
ومـا يحلـو الـيّ بـهِ دعونـي
 
وزادَ غرورَهـا زهـوٌ وكِـبـرٌ
بما حَوَيـاهُ مـن خُبـثٍ لَعيـنِ
 
اذا وقفتْ وراءَ الشيـخِ أبـدتْ
خُشـوعَ منافِـقٍ أو مُستهيـنِ
 
تُصلّـي والصـلاةُ لهـا لبـاسٌ
يُخبـئ ماتكُـنُّ مـن الأفـونِ
 
كأنّ الدينَ يستُـرُ كـلَّ عيـبٍ
ويخفي عـورةً خلـفَ الجبيـنِ
 
تُمثـلُ صـورةَ التقـوى ريـاءً
وتفعلُ كـلَّ سـوءٍ أو مُشيـنِ
 
فكمْ في دينِهـا اقترفـتْ ذنوبـاً
وكمْ بسلوكِها انحرفـتْ لـدونِ
 
ولا الإسلامُ كان كمـا ادّعتـهُ
ولكنْ جـاءَ مـن نـورٍ مبيـنِ
 
أترضى الناسُ مـا يبـدو لعيـنٍ
ويقبـلُ ذاكَ ذو عقـلٍ رزيـنِ
 
ومن شَرِّ البليّـةِ كيـف أنجـو
وقد عاصرتُ جيلاً مـن هَجيـنِ
 
فلا عيـشٌ يطيـبُ ولا حيـاةٌ
إذا ما الخيرُ غابَ عـنِ العيـونِ
 
طريـقُ الـذلِّ منفعـةٌ لـقـومٍ
اذا صـارَ المثقّـفُ كالسجيـنِ
 
ومن يرثي لحالـي إنْ أتانـا ....
زمـانٌ قـالَ بالقهـرِ اتبعونـي
 
صروحُ حضارتي سقطتْ وعمّـا
يـؤولُ مصيرُهـا لاتسألـونـي
 
زرعتُ بدايتي فـي حقـلِ خيـرٍ
فأحسنتُ النهايةَ مـن شُؤونـي
 
فأرشدنـي و هذّبنـي فــلاحٌ
وقد رافقتُ أصحـابَ اليميـنِ
 
كأنّي قد جُبلـتُ علـى وفـاءٍ
رفضت بفطرتي طبـعَ الخـؤونِ
 
فكنتُ مع النحيلِ بـلا جِـدالٍ
وسِرتُ بنهجِـهِ ضـدّ البديـنِ
 
ليَ اللذّاتُ تخضـعُ دونَ عنـفٍ
وتعلو فـوقَ هامتِهـا غُصونـي
 
هيَ الثمراتُ أقطفهـا وأمضـي
ولو بالنأيِ جـازتْ أرضَ صيـنِ
 
فكمْ غيّرتُ طقساً بعـدَ طقـسٍ
وكمْ عايشتُ من عُسـرٍ وليـنِ
 
قديماً كـانَ يسعفُنـي شبـابٌ
يُولّـدُ ثـروةً عنـدَ الفطـيـنِ
 
زمانٌ شذّ عـنْ خُلُـقٍ وخَلْـقٍ
بهِ امتزجَ الرخيصُ مـع الثميـنِ
 
تزيّنُـهُ الصبـايـا فــي دلالٍ
وتُظهـرُ مـا تشـاءُ بـلا أُذونِ
 
بهِ كيـدٌ ومكـرٌ مـن نسـاءٍ
ومنْ سُمِّ الأفاعي كـمْ سَقونـي
 
تُشيربهـا الغرائـزُ دونَ قــولٍ
كبائعةِ الهوى .. مـنْ يشترينـي
 
تَمنّتْ فاستجـابَ لهـا زمـانٌ
فكيفَ تحيـدُ عنـهُ وتصطفينـي
 
فـلا الآبـاءُ تعـرفُ مادهاهـا
ومنْ يخطو إلى الـدربِ المُشيـنِ
 
ولا خوفُ النساءِ علـى عفـافٍ
أثارَ مكامِنَ الشـرفِ المَصـونِ
 
خَضعتُ لأمرِهـا مَـدّاً وجَـزراً
كمـا يحلـو لهـا أو تشتهينـي
 
وبحـرُ المغريـاتِ بهـا مُحيـطٌ
وما ترجو أتاهـا فـي صُحـونِ
 
فلمْ أظفـرْ بمـا تحلـو حيـاةٌ
ولا مَعَهـا اتفقـتُ فأنقذونـي
 
هي اتجهتْ وسارتْ فـي طريـقٍ
عواقبَهـا الوخيمـةَ جنّبـونـي
 
قضيتُ العمرَ أبحثُ عـن تُـراثٍ
فَحَـقَّ بشرعِهـا أنْ تزْدَريـنـي
 
شبـابٌ بالحيـاةِ لـهُ حقـوقٌ
وماقَصّـرْتُ .. لكـنْ أبعدونـي
 
فقدْ جُزتُ الكهولـةَ يالتعَسـي
وحوّلنـي الزمـانُ إلـى وهيـنِ
 
فلا حربٌ تُشب مـع الصبايـا
ولا قولٌ يُهـاب مـع الخديـنِ
 
أُحلتُ إلى التقاعُـدِ بعـدَ عمـرٍ
وصِرتُ معَ التقـادمِ كالعجيـنِ
 
كذوبٌ إن رسمتُ الحـبَّ شعـراً
أصـوّرُ مابقلبـي مـن حنيـنٍ
 
فـلا عيـنٌ تصـدّقُ إنْ رأتنـي
ولا سمـعٌ ينـوبُ عـن اليقيـنِ
 
أظلّ كما تـروقُ لهـمْ طِبـاعٌ
إنِ اعترفـوا بحُبّـي أو جَفونـي
 
جَمَلتُ رسالتي ومشيـتُ دربـاً
بِـوادٍ غيـرِ ذي زَرعٍ وطـيـنِ
 
شِعارُ مسيرتـي حُـبٌّ وطيـبٌ
يُؤكّدُ كمْ صَبرتُ على حزونـي
 
فأنسى ماحلمـتُ بـهِ وأرضـى
كما تبدو الوقائـعُ بعـدَ حيـنِ
 
هي الأعوامُ تمضي فـي خُطاهـا
مُكسّـرةَ الجوانِـحِ والجُفـونِ
 
مَضَتْ سُتونَ عامـاً دونَ وعْـيٍ
أُسائلُ كيـفَ مـرّتْ ذكّرونـي
 
بها النسيانُ خفّفَ مـن عذابـي
وقـالَ لمـنْ تذكّـرَ سامحونـي
 
فكمْ هبّتْ نسائـمُ مـن بعيـدٍ
وكمْ جلبتْ الينا مـنْ شجـونِ
 
أروحُ وأغتدي والقلـبُ يحكـي
ويشـرحُ بالهـوى مايعتريـنـي
 
سيبقـى ظاهـراً وتـراهُ عيـنٌ
فما احتجبَ الشمالُ عنِ اليميـنِ
 
أرى دنيا مِـنَ الأحـلامِ تنـأى
هناكَ .... الى شواطئها خُذونـي
 
بها ستـونَ عامـاً قـدْ توَلّـتْ
أتُكمِلُ عشرةً أخـرى سُنونـي؟
 
اذا حَمَّ القضاءُ وغـابَ نجمـي
وماتَ الشوقُ في القلبِ الحزيـنِ
 
أو ائتلقَ الهوى فـي ليـلِ أنـسٍ
وكانـتْ سيرتـي لاتظلمـونـي
 
زمانٌ عشتُ فيـهِ بـلا جنـاحٍ
أُخبـئُ مايطيـبُ فأنصفـونـي
 
فلا تصغوا لغيري فـي حديـثٍ
دعوا ماقيلَ فـيّ ... وصَدّقونـي
 
حَكَتْ لهُمُ البدايةُ طُهْرَ قلبٍ .....
ولكنْ في النهايـةِ ... أنكرونـي
 
لمنْ شـاءَ الحقيقـةَ فـي بيـانٍ
تركتُ قصائدي كـي تعرفونـي


شعر - وليد الحجار

فما كان مني إلا أن أرثيه بقصيدة تلظت حزناً والتهبت أنيناً فقلت:

القنديل الحزين

أتاني الوحيُ .. أمّي .. دَثرينـي
وفوقَ لهيبِ أشعـاري دعينـي
 
فَمَنْ أبكيـهِ لا يُرثـى بشِعـرٍ
ولا بـالآهِ والدمـعِ الهَتـونِ
 
ولكـنْ خلـفَ قافيتـي بُكـاءٌ
يُرتّلُـهُ الأنيـنُ بحـرفِ نـونِ
 
دعينـي اليـومَ ياأمـاهُ أبكـي
وكونـي دونَ قافيتـي ودونـي
 
تَرَجّلَ عنْ حصانِ العُمرِ يمضـي
وخَبّأ حُزنَـهُ خلـفَ الجَبيـنِ
 
أضاءَ لنا سِـراجَ الشّعـرِ حُبـاً
ووَدَّعَنـا بقنديـلٍ حَـزيـنِ
 
وخَلَّفَني كحَـرفٍ لسـتُ أدري
أَحَرَّكنـي بكَسـرٍ أمْ سُكـونِ
 
أتاكِ دمشقُ يرجو بُـرءَ قلـبٍ
وما اعتلَّ الفؤادُ مدى السنيـنِ
 
فهلْ عانَقْتِـهِ و ذَرَفْـتِ دمعـاً
ليكشفَ عن لظى الحُزن الدفيـنِ
 
أتى يُلقي إلـى بـردى سلامـاً
من العاصي وفيضاً مـن حنيـنِ
 
أتـاكِ رسـولَ حُـبٍّ دونَ آيٍ
فَصَدَّقـتِ الرسالـةَ باليقـيـنِ
 
كـأنَّ اللهَ أخـبـرَهُ بـمـوتٍ
ليعطي العشـقَ بالعـدلِ المبيـنِ
 
فأهدى روحَهُ لدمشـقَ زُلفـى
وقـالَ إلـى حمـاةَ فشيِّعونـي
 
رأيتُ الفجرَ يحبـو نحـو يـومٍ
دقائقُـهُ يَغُـصُّ بهـا أنيـنـي
 
وصدرُالليلِ أثخَنَ فـي عِناقـي
وبعثـرَ لونَـهُ فـوقَ الجُفـونِ
 
ويَزرعُني ظـلامُ الليـلِ دِفلـى
و ترتشِفُ الوسادةُ مـن عيونـي
 
ومـاذا يـا أبـي إنْ ساءلتْنـي
نواعيـرُ المدينـةِ عـن معيـنِ
 
وما قولي إذا العاصـي تلظّـى
إليكَ بشوقِهِ فـي كـلّ حيـنِ
 
ومن يُعطي (وليدَ ) نقودَ عيـدٍ
ومن يكسو ( خزامى ) بالحنينِ
 
ومن سيُبعثرُ الشكوى إذا مـا
أتتْ ( كُلثومُ ) تشكو منْ شُجونِِ
 
حَمَلتُ حقائقَ الساعاتِ قسـراً
وصارحتُ الحقيقـةَ بالظنـونِ
 
فمثلُكَ لن يمـوتَ لـهُ كـلامٌ
سيبقى خالداً خلـفَ السنيـنِ
 
يؤرقُ من تخـاذلَ عـن كفـاحٍ
ويبدي سـوءَة الجيـلِ الأفـونِ
 
ستبقى سابحاً فـي بحـرِ طيـبٍ
وتحيـا فـي ريـاضِ الياسميـنِ
 
إذا سألَ الزمانُ عليـك يومـاً
ولاح الفجرُ يسأل عن فُتـونِ
 
وجاسَ الليلُ في كـلّ الزوايـا
يسائلُ عنكَ أشكـالَ الفنـونِ
 
سأخبرُهُمْ بأنّكَ قُلـتَ يومـاً:
" تركتُ قصائدي كي تعرفوني"

وليد وخزامى وكلثوم أحفاد الشاعر وليد الحجار رحمه الله


شعر - أنس الحجار

عيد الستين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى