الأحد ٢٤ آب (أغسطس) ٢٠٢٥
بقلم صالح مهدي محمد

دهشة عينيها

لم يكن هناك وقت.

أقصد، لم يكن للوقت معنى.

الساعة بلا ثقل، والهواء يُصفر من فراغه كأن المدينة تئن من حلم ثقيل.

كنتُ جالسًا في مقهى لا أتذكر اسمه، على رصيف يُشبه مقطعًا محذوفًا من ذاكرة أحدهم.

فجأة، شعرت أن شيئًا ما انكسر في الهواء. رفعت رأسي، ورأيتها.

تمشي كأنها لا تمشي، تطفو؟ ربما... أو تسير فوق خيطٍ رفيع من الموسيقى لا يسمعه أحد سواها.

حين التقت عيوننا، شعرت أنني أنظر من نافذة قطار لا يتحرك.

كانت عيناها... مرآتين مشقوقتين، تعكسان مشاهد لا أعرفها: أطفال يركضون في سهوب زرقاء، أبراج من الرمل تنهار إلى الأعلى، صوت ضحكة من عصرٍ لم أكن فيه.

قالت شيئًا — أو لم تقل.

لكني سمعت. سمعت كلماتها وهي تتحوّل إلى فراشات سوداء، تحوم حول رأسي ثم تذوب عند أذني.

اقتربتْ. أو ربما أنا من اقترب. لكن بيننا مسافة لم تكن تُقاس بالأمتار، بل بالتردد.

مدّت يدها، كانت يدًا من ضوء، لامستني، فانشطرتُ.

كلّ جزءٍ مني صار مرآة صغيرة، كل مرآة سألتني:

"من أنت؟"

ولم أكن أعرف الجواب.

في تلك اللحظة، توقّف كل شيء. حتى الظلال تجمّدت. حتى الوقت، سقط مثل قطرة زيت على صفحة ماء.

كان اللقاء الأول. لكن لا، لم يكن مجرد لقاء. كان تصدّعًا في نسيج الواقع. كان ميلادًا ثانيًا، لشخص لم أكنه، في عيون لم أرَ مثلها.

ثم، رحلت. أو اختفت. أو انطفأت كنجمة في وضح الظهيرة.

وبقيتُ هناك، أجمع مراياي، وأكتشف كم أنا غريب.

قصة من مجموعة "نقوش الظل" القصصية، المخطوطة. كُتبت في سنوات متفرقة، وقد نُشر بعضها في عدد من المنصات المهتمة بالشأن الأدبي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى