

الشاعر الشيخ أحمد فرح عقيلان
يعد شاعرنا الشيخ أحمد فرح عقيلان من شعراء فلسطين الإسلاميين، ولد عام 1924م في الفالوجة ـ قطاع غزة. نشأ في بيت علم ودين، وكان والده من علماء الأزهر، تعلم في مدارس القطاع، وأكمل دراسته الثانويّة في «الكلية الرشيديّة» في القدس، ثم اجتاز الامتحان الأعلى لمعلمي اللغة العربية في الكلية العربية بالقدس عام 1946م، ثم عمل مدرساً للغة العربية في بعض مدن فلسطين.
ومثل كل أبناء جيله الذين شردهم الإرهاب الصهيوني عانى الشاعر الشيخ من ويلات نكبة فلسطين وشهد مأساة شعبه ومحنة اللاجئين، قد قدمت عائلته الكثير من الشهداء وقد انتقل بعد وقوع النكبة عام 1948م إلى (خان يونس) ودرّس بها حتى عام 1957م، ثم هاجر إلى السعودية ودرّس فـي «معهد العاصمة النموذجي» بالرياض لعدة سنوات، وعمل مديراً للأندية الأدبية برئاسة رعاية الشباب ثم مستـشاراً بها.
وعمل داعية وقدم برنامجا إذاعياً «في تفسير القرآن».
وكان عضواً في رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
توفي في 19/02/1997م في السعودية.
نظم الشيخ عقيلان الشعر الإسلامي بفنيّة عالية، وتنوعت في نتاجه الشعري أغراض القول، ولكن قضية فلسطين، ممتزجة بالهمّ الإسلامي العام تبقى المحور الذي تتفرع عنه، وتعود إليه القضايا الأخرى، فهناك قضية الدعوة الإسلامية، والواقع الاجتماعي للمسلمين، وما يتصل به من قضايا المرأة والشباب، إنها تتجاذب وتتداخل لتدل على موقف الشاعر. لغته قريبة مأنوسة طيعة تأخذ الكلمات مواقعها المعهودة فلا تجد للضرورة أثراً، يجمع بين التعبير المباشر الذي يقترب من لغة الخطاب اليومي، والتصوير المستمد من الموروث الشعري، أو من تركيب مخيلته، كما يستعيض عن التصوير أحياناً بالوصف الدقيق الذي يقوم مقام الصورة المخترعة.
من أثاره الشعرية: «البردة الجديدة»، عام 1951م. و «جرح الإباء»، نادي المدينة المنورة الأدبي، السعودية ـ 1980م، و «رسالة إلى ليلى»، نادي المدينة المنورة الأدبي، السعودية ـ 1981م. و «لا يأس»، دار المعراج، الرياض، السعودية ـ 1998م.(نشر بعد وفاته). ثم جمعت دواوينه في «الأعمال الشعرية الكاملة»، وقد صدرت عام 1999م عن «بيت الأفكار الدولية».
وله مؤلفات دينية وأدبية، تدل على موقفه من قضايا الأدب والشعر، وعلى الأخص كتاباه: «جناية الشعر الحر»، نادي أبها الأدبي، السعودية ـ 1982م. و «بين الأصالة والحداثة»، نقد ومختارات، ، نادي الطائف الأدبي، السعودية ـ 1986م.
ترجم له الأستاذ أحمد الجدع في كتابه «شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث»، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1976م فكتب عنه مِفصلاً أشار فيه
لأهمية شاعرنا في خارطة الشعر الدعوي الإسلامي، ودوره في توجيه وترشيد بناء مجتمع عربي إسلامي قادر على مواجهة المخاطر التي تواجه مجتمعنا وبلادنا من الخطر الصهيوني وويلاته.
ومن قصائد الشيخ عقيلان الرائعة، قصيدة «إلى بلدتنا»، يقول في مطلعها:
أنا مانسيتك رغم ما فعل العِدابلدي أتذكرني أتذكر أحمداذكرى شبابي عاطرًا ومورَّدافي كل شبرٍ من ثراك تشدّنيروحي فداكِ وأنت أغلى مفتدىفالوجتي الزهراء يا حلمَ المنىعبدًا وكنت على ترابك سيّدامنذ افترقنا يا حبيبةُ لم أزلعيشٌ ولا برح الفؤاد مشرَّداواللهِ منذ فراقنا ما لذَّ ليسجنًا من الموت البطيء مؤبَّداوالعمرُ بعدك يا حبيبةُ قد غدا
ولشاعرنا الكثير من القصائد المشهورة، في مقدمتها قصيدة عنوانها: «لا يأس»، ومنها هذه الأبيات:
لا يأس مهما غرقنا في مآسينا | وأمعـن الكفر ذبحاً في ذرارينا |
لا يـأس ، فاليأس كفر في عقيدتنا | وما ارتضينا سوى إسلامنا دينا |
لا يـأس مـهما سبحنا في مذابحنا | ولو جرى بدم الـثوار وادينا |
لا يأس ... حتى لو أن العرب كلهم | مع الـعـدا أغمدوا أسيافهم فينا |
ومن أجمل قوله قصيدة «قذائف الكلام»، نشرت في ديوانه «جرح الإباء» ومطلعها:
يا بني العرب يا حماة البيد | أين عشق العلا وعزم الأسود |
ومنها قوله:
لا ترد الحقوق في مجلس الأ | من ، ولكن في مكتب التجنيد |
الشكاوى إلى المجالس لغوٌٌ | وأزيز الرصاص بيت القصيد |
إن ألفي قذيفة من كلامٍ | لا تساوي قذيفة من حديد |
فلسطين .. الأرض والشعب والقضية
تعد قصيدة «فلسطين» إحدى نماذج شعره الفني الراقي المعبر عن مأساة أبناء الشعب الفلسطيني، الذين سرق وطنهم، وسلبت ديارهم.
ويحلل الناقد الأستاذ محمد علي شاهين القصيدة قائلاً: «يتميز مطلع القصيدة بمشاعر الحب والحنين والعشق لفلسطين التي علّمته الفداء».
يقول الشيخ الشاعر: «كلّما غنيت لفلسطين الساحرة الجميلة رأيتها تبتسم لي ابتسامة هي أجمل من ورد نيسان (أبريل).. هي مثل امرأة بارعة الجمال، زانها الأدب والحياء، تأخذ بالألباب، هي أجمل من معشوقة قيس، ولا تقارن بها، يحيط بقصرها العالي وادي رام الله ومروجها الخضر، لم أتمالك نفسي وأنا شاب إلاّ طلب يدها.. كانت نافذتها فوق السحاب، طعامها الثلج وسقياها الماء الزلال، كنّا نحلّق معاً في جو السماء كالطيور، نتبادل الحب العذري والأشواق».
ثم ينتقل الشاعر من أجواء السعادة والعشق إلى الأحداث التي عصفت بقلب المحبين، ففاتنته اليوم حزينة شاردة، تبكي في موكب الفرح، تشير إلى مدينة مغبرّة بالجانب الغربي من لوحة السماء، وتتساءل: « أين يافا عروس الشاطئ؟ وأين أهلها؟ وأين شميم نسيم البحر وعطر البرتقال؟».
ويقسم الشاعر على أن كل الحلي جمّلت فلسطين بالحسن، ففي الغرب مصايف شواطئ البحر، وفي الشرق مشاتي البحر الميّت، أمّا المروج السندسيّة الخضر الممتدّة من عكا إلى رفح فهي منبت الفاكهة والزهور.
ويتساءل ألم يفتن المتنبي بروعة محاسن طبريّة وأمواج بحيرتها وطيب هوائها ودفئ شاطئها؟ فيصفها في ثمانية أبيات، يقول فيها:
لولاك لم أترك البحيرة والغوردفيء وماؤها شبموالموج مثل الفحول مزبدةتهدر فيها وما بها قطموالطير فـوق الحباب تحسبهافرسان بلق تخونها اللجمكأنها والرياح تضربهاجيشا وغى هازم ومنهزمكأنهــا في نهـارهـا قمـرحفّ به من جنانها ظلم
ويخاطب شاعرنا الشيخ عقيلان مقدسات فلسطين فيقول: «أفديك روحي وعيالي وأعز ما أملك، وما أشرف تلك الروح إذا فديت بهذه المقدّسات».
ويصف في خوف وهلع ما آلت إليه أحوال فلسطين، من تدنيس للمقدّسات، وانتهاك للحرمات، ويتساءل: «أين الملايين التي تنفق بسخاء على الغانيات وموائد الشيطان، ونضنّ بها في موقف البذل والتضحية ونداء الواجب؟».
مضيفاً: «لو كانت مشكلتي مع اليهود وحدهم لما اكترثت بهم، لكن مشكلتي اليوم مع حماة حدود (إسرائيل)، وكلّما زادت المعاناة في فلسطين، زاد إخواننا العرب مصائبنا.
وها أنا ذا ذاهب تحت جنح الظلام إلى عدوّي لأؤدبه، وقد وضعت روحي على راحتي، أحمل سلاحي الذي اضطرت زوجتي لبيع عقدها الذهبي بثمن بخس لتشتري بثمنه ذخيرة بندقيّتي.
حتى وصلت منطقة صفد، والثلج يهطل فوق رأسي، ولمّا هبّت نسائم سهل حطين سرى عبيره الطيّب في جسدي، وشعرت أن كبدي الملتهبة قد شفيت من أسقامها، وأخذت أنظر إلى بلدي المغتصب، ونار الثأر تدفعني نحو الانتقام من عدوي».
ويتابع الشاعر ملحمته فيقول: « وبينما أنا أتأهب للانقضاض، أمسكت بكتفي يد عربيّة، ظننت للوهلة الأولى أنّ أسود العرب جاءت لنصرتي، فأخذت أشكر هذه اليد وأثني عليها.
لكنّ هذه اليد سرعان ما أمرتني بإلقاء السلاح، وأخذت تكيل لي السباب والاتهامات».
فقلت: «يا حارس الأعداء، أيّها البطل المزيّف، هذه القنابل اشتريتها من تعبي، وعلى حساب قوتي، أمّا هذه البندقيّة فلا أستطيع أن أتخلّى عنها لأنّها بمثابة روحي، وأعلم أن لغة الشجب والتنديد لن تعد مجدية، ولن تنطل هذه الأكذوبة بعد الآن على أحد، فلقد تعلمت من صلاح الدين درس البطولة والفداء، وإنّ لحظة صمت من فدائي أكثر تعبيراً من هذه الخطب الحماسيّة البليغة.
ولن نتسوّل بعد الآن على أبواب السياسات المتآمرة على فلسطين، لأنّ حماة هذه النهج هم اللصوص الحقيقيّون».
ويتابع خطابه لهذا العربي: « إن كنت تبحث عن الكرامة فهيّا إلى القدس، فإنّها تتطلّع إلى من ينقذها».
ثم يخاطب الأمّة التي يلفّها الظلام من حولها: إعلمي أيّتها الأمّة أن الفجر قادم لا محالة، وأنّه كلّما اشتد الخطب، وادلهمت الخطوب، اقترب الأمل.
فلسطين
أفدي التي علمتني كيف أفديهاوأتحفتني نظيم الدر من فيهاأبهى من الورد في أبريل بسمتهاإذا رأتني أغني في مغانيهاكان الجمال الفلسطيني يأسرني فيهاوحلية آداب تحليهالهفي عليها فلسطينية نظمت فيهاالملاحة في أبها معانيهالو أن قيسا رآها في صواحبهالقال يا ليت ليلى من جواريهاكانت على قمة شماء دارتهاوحولها مرج رام الله وواديهاوكان شرخ شبابي عارماً غزلايسوقني رغم أنفي نحو أهليهاما زلت أذكر فوق الغيم شرفتهاوالسحب تطعمها ثلجا وتسقيهافي ذلك اليوم كنا في السماء معاًوالجو بالبسمة العذراء يغريهالكن فاتنتي صفراء ساهمةكأنما موكب الأفراح يبكيهاتشير لي جهة الغرب البعيد إلىمدينة قد بدت غبرا مبانيهاتقول لي تلك يافا أين آهلهاأيام يافا عروس في شواطيهاهل تبصر البحر معطاراً نسائمهتهدي شذى برتقال من مجانيهاوالله ما حلية في الأرض غاليةإلا بدت في فلسطين تحليهاالبحر في الغرب حيا من مصايفهاالبحر في الشرق ميتاً من مشاتيهاوالحقل يتحفها تيناً على عنبوالبرتقال رحيق الخلد يسقيهاوالحقل يمتد من عكا إلى رفحفي مطرف السندس الغالي يجليهاتعجب المتنبي من بحيرتهالما رأى كل أشكال المنى فيهاالموج يهديك برداً من أواسطهاوالغور يعطيك دفئاً من شواطيهاوعمة الشيخ في تموز تبردهاوحمة الغور في كانون تدفيهاوالنهر يحكي عن اليرموك ملحمةالمجد يلحمها والفخر يسديهافي أرضنا كل ما في الأرض من متعسبحان مودع أسرار السما فيهاكل النبوات في أحضانها درجتتأوي إلى المسجد الأقصى فيؤيهاعفوا حنانيك يا مسرى محمدنايا صخرة المجد أعيت من يساميهافداك نفسي وأولادي وملك يديما أشرف الروح للأقداس نهديهايا لهف نفسي أحقاً أن صخرتناالقدس فد عاث أنجاس الورى فيهاوهل صحيح بأن المومسات بهاصيرن أقداسنا حمراً لياليهايا أمة دفنت في الرمل هامتهاكي لا ترى الواقع المهزوم يخزيهاأما سمعت بأولى القبلتين وقدتبختر الكفر في أقداسها تيهاأين الملايين للشيطان نرخصهافإن دعانا نداء المجد نغليهاإذا القمار لنا مدت موائده بالراحوالغادة الشقراء تسقيهافنحن أكرم أهل الأرض قاطبةترى ملاييننا كالرمل نذريهاشتان من همه كأس وغانيةومن على القمة الشماء يحميهالو أن همي عدوي ما اكترثت بهلكن أخي حول «إسرائيل" يحميهاوكلما عظمت بلواي في بلديرأيت أحبابنا زادوا بلاويهاسريت ليلاً إلى خصمي أؤدبهالروح في راحتي أرخصت غاليهاوالبندقية من زوجي ذخيرتهاباعت قلادتها بخساً لتشريهاحتى وصلت حدودي والثلوج علىرأسي وقد خنقت روحي دياجيهاحتى شممت شذا حطين من صفديسري على كبدي الحرى فيشفيهاورحت أنظر عن قرب إلى بلديونار ثأري تصليني فأصليهاوإذ على كتفي وسط الظلام يدتصيح باللهجة الفصحى حراميهافأشرق النور في قلبي وقلت إذاهذه العروبة جارتني ضواريهاودمت أهتف هيا مرحى يا أخيوهلا يا للأخوة ما أحلى معانيهاظننته جاء في الظلماء ينجدنيورحت أوسعه شكراً وتنويهافقال ألقى بهذي البندقية يا......وراح يوسعني شتماً وتشويهافقلت يا حارس الأعداء يا بطلاًبعض البطولات تؤتى من مخازيهاهذى القنابل من قوتي ومن عرقيوالبندقية روحي لا أخليهاالشجب والسب والإنكار أسلحةما عاد شعبي بقطمير يساويهادرس العلا من صلاح الدين علمناأن البطولات تؤتى من أعاليهاما نفع ألف خطاب صارخ زلقتكفيك لحظة صمت من فدائيهالن نشحذ الحق من لص ومغتصبهذى السياسة حاميها حراميهاإن شئت فاذهب معي فالقدس منتظرهذى الكرامة في أسمى معانيهايا أمتي في ظلام الليل لا تهنىلا يطلع النور إلا من دياجيها
أهم المصادر والمراجع:
- أحمد الجدع، معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين، دار الضياء، عمان ـ 1999م.
- أحمد الجدع وحسني جرار، شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ 1976م.
- معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، الكويت، النسخة الالكترونية: [www.almoajam.org].