

أول شهداء(الكلمة المقاتلة)
ولد نوح إبراهيم عام 1913 في مدينة حيفا، و نشأ في عائلة شعبية فقيرة ، وتلقى فيها دراسته الابتدائية.ولكنه لم يلبث أن تركها واضطر للعمل في إحدى المطابع. تفتحت فيه روح الشاعر الشعبي في سن مبكرة فأصبح الروح الحية في الأندية والمنظمات الكشفية ومنظمات الشباب والعمال فكان يلقى قصائد حول الأحداث المتلاحقة في تلك الفترة ، و كانت له نشاطات اجتماعية و وطنية متعددة.
وهو يعرف بأنه الشاعر الشعبي لثورة (1936 - 1939) ومن أشهر قصائده المغناة (من سجن عكا طلعت جنازة) .
وقد اعتقل نوح إبراهيم عدة مرات من قبل السلطات البريطانية، ولم يسمح له بنشر أشعاره في كتاب. ولم يجمع شعره حتى الآن، إلا جزئيا. وقد تحول الكثير من شعره إلى هتافات على أفواه الناس في المسيرات والمظاهرات من نوع:
دبرها يا مستر دلبلكي على ايدك تنحل
وهو مقطع من قصيدة طويلة للشاعر الشهيد .
وفي عام 1937 اعتقل ، في سجن المزرعة ثم في سجن عكا و قضى فيهما خمسة أشهر، و بعد خروجه من المعتقل التحق بصفوف الثوار العام 1937، حيث نظمه الشهيد عز الدين القسام في صفوف الجهادية ، وأطلق عليه لقب تلميذ القسام ، و كان يشارك بنفسه في الكثير من المعارك ضد الاستعمار الإنجليزي.
و ظل نوح إبراهيم يقاتل و يكتب و يلحن حتى استشهد، في معركة حول قرية طمرة ، إحدى معارك جبال الجليل، عام 1938 و هو في طريقه للاشتراك في اجتماع قيادة الثورة في منطقة الجليل الغربي ، ودفن هناك .
و من المعارك المشهورة التي شارك فيها شاعرنا الشهيد وتركت أثرا في نفسه معركتي (جورة بحلص) و(وادي التفاح) في جبال الخليل فغنى لهما:
تحيا شباب الخليلأصحاب الباع الطويلكل الأمة بتعرفهمهمتهم ما إلها مثيلكل الأمة بتعرفهمو دايماً تفتخر فيهميا ما جاهدوا في الجبالحتى ينصروا أمتهم(جورة بحلص) مشهورةهمتهم فيها مشكورةلكن وقعة (وادي التفاح)كانت ساعة منظورةبالشهامة منظوينبالبسالة مشهورينالله يكتر امثالهمحتى يعينوا فلسطين
* أرخ بالكلمة للثورة الفلسطينية
نظم نوح إبراهيم عددا كبيرا من الأهازيج و القصائد الشعبية حول مختلف القضايا و الأحداث الوطنية و السياسية الفلسطينية و العربية في تلك الفترة .. و ذاع صيت أغانيه بشكل واسع، و بعضها ما زال متداولاً حتى اليوم ..
ومن قصائده الشعبية المشهورة التي لحنها و غنّاها بنفسه، ومازالت كل الأجيال التي وعت فترة الثلاثينات تحفظها عن ظهر قلب.. القصيدة التي قالها اثر استشهاد الشيخ المجاهد " عز الدين القسام " بعد معركته الشهيرة مع الجيش الإنجليزي في أحراش يعبد:
عز الدين يا خسارتكرحت فدا لأمتكمين بينكر شهامتكيا شهيد فلسطينعز الدين يا مرحومموتك درس للعمومأه لو كنت تدوميا رئيس المجاهدينضحيت بروحك و مالكلاجل استقلال بلادكالعدو لما جالكقاومته بعزم متينأسست عصبة للجهادحتى تحرر البلادغايتها نصر أو استشهادو جمعت رجال غيورينجمعت رجال من الملاحمن مالك شريت سلاحو قلت هيا للكفاحلنصر الوطن و الدينجمعت نخبة رجالو كنت معقد الآماللكن الغدر يا خال!لعب دوره بالتمكينلعبت الخيانة لعبةوقامت وقعت النكبةو سال الدم للركبةو ما كنت تسلم و تلينكنت تصيح الله أكبركالأسد الغضنفرلكن حكم المقدرمشيئة رب العالمينما احلى الموت و الجهادو لا عيشة الاستعبادجاوبه رجاله الأمجادنموت و تحيا فلسطينالجسم مات و المبدأ حيو الدما ما تصير ميّمنعاهد الله يا خيّنموت موتة عز الديناقروا الفاتحة يا إخوانعلى روح شهدا الأوطانو سجل عندك يا زمانكل واحد منّا عز الدين
* قصيدة: (دبرها يا مستر ) دلّ
تعتبر قصيدة ’(دبرها يا مستر)( دلّ ) من أشهر القصائد الشعبية لنوح إبراهيم ، وقد حفظها في ذلك الزمن الكبير و الصغير، و هي قصيدة طويلة تتألف من عدة مقاطع، يطلب الشاعر فيها من المستعمر أن يسلّم بحرية شعبه الفلسطيني واستقلاله، و يندد فيها بمحاولات الانكليز قمع الثورة مطالباً بمنع أراضي العرب، ووقف هجرة اليهود إلى فلسطين. و المستر ’’ دلّ ’’ هو القائد العام للجيش البريطاني في بلادنا في تلك الفترة .
يا حضرة القائد (دل)لا تظن الأمة بتمللكن انت سايرهابلكي على يدك بتحلما دمت رجل خطيرو قائد عسكري كبيرو قضيتنا كلها فهمتهاما بلزم إلك تفسيرفهّم لندن باللي صارو اللي بعده راح يصيرالعرب أمة إصرارصداقتها لازمتكو كتيردبرها يا مستر (دل)بلكي على يدك بتحلإن كنت عاوز يا جنرالبالقوة تغيّر هالحاللازم تعتقد أكيدطلبك صعب من المحاللكن خذها بالحكمةو اعطينا الثمن يا خالو نفذ شرط الأمةمن حرية و استقلالدبرها يا مستر (دل)يمكن على يدك بتحلجيت فلسطين الحرةحتى تقمع الثورةو لما درست الحالةلقيت المسألة خطرةبدنا تفهّم بريطانياحتى تكفينا شرهاو تصافي الأمة العربيةبمنع البيع و الهجرةو دبرها يا مستر (دل)يمكن على يدك بتحلما دمت صاحب السلطةحل هالمشكلة و هالورطةو نفذ وعود الشرفحتى تمحي هالغلطةللدولة هذا أشرفو احسن مشروح و خطةو دبرها يا مستر (دل)بلكي على يدك بتحل
ولم يكن المستر ’’ دلّ ’’ الوحيد الذي خاطبه نوح إبراهيم شعراً و غناء، بل خاطب الكثيرين من ممثلي السلطة البريطانية المركزيين .. و منهم المندوب السامي البريطاني في فلسطين الجنرال " غرينفيلد وكهوب "، و ندد بتآمره مع الحركة الصهيونية و اغتصاب حقوق العرب خلال مدة حكمه كلها ..
و تهكم على "ووكهوب" الذي يدعي أنه صديق للفلاح، و ندد بقوانين الحكومة الجائرة و ظلمها.
يا فخامة المندوبالسير "غرينفل وكهوب"انت عارفنا مظلومينو بدك تسكتنا بالطوبيا فخامة المندوبالسير "غرينفل وكهوب" في مدة هالخمس سنينفوضوك ع فلسطينطارت حقوق العربو قويت الصهيونيينإنفتحت أبواب الهجرةحتى صرنا مهددينأُجبر خاطرنا مرةو اعطينا بعض المطلوبيا فخامة المندوبالسير "غرينفل وكهوب"باعك طويل بالسياسةو سلموك الرياسةو انت صديق الفلاحو هو ما بملك نحاسةارفع عنا هالقوانينو هالظلم و هالتعاسةو لا تزيد البلة طينو خذها بلطف و كياسةيا فخامة المندوبالسير "غرينفل وكهوب"دولتك إسلاميةأكثر منها انجليزيةحيث رعاياها بالملايينبكل الكرة الأرضيةإن كان بدك مصلحتهاخليها تحل القضيةحتى تحفظ سمعتهاو هادي فرصة ذهبيةيا فخامة المندوبالسير "غرينفل وكهوب"فلسطين أرض الإسلاممهد المسيح و الإسلامبعصر المدنية و النورصارت في شدة و ظلامو انت فهمك كفايةحيث ملينا من الكلامغايتنا رفع الرايةمع الاستقلال التاميا فخامة المندوبالسير "غرينفل وكهوب"
وواكب نوح إبراهيم بحسه ووعيه الوطني السياسات البريطانية الجائرة تجاه قضية شعبه وهمه اليومي ، وكان لها بالمرصاد مع رفاقه الثوار لا بالسلاح فقط ، وإنما بالكلمة المقاتلة .. الكلمة الرصاصة . ولما كانت الحكومة البريطانية كثيراً ما تلجأ إلى تشكيل لجان التحقيق نتيجة للهبات الشعبية الثورية، لكسب الوقت وطمأنة العرب و الاحتيال لتهدئة الأحوال، حتى بلغ عدد اللجان تلك أربعا كان آخرها "لجنة التحقيق الملكية" التي وصلت البلاد في 12 تشرين الثاني / يناير سنة 1936.
فخاطب نوح بكلماته المقاتلة لجنة التحقيق الملكية هذه في إحدى قصائده المغناة. وقد كان العرب في البداية مقاطعين لها ، ثم تراجعوا و قرروا التعاون معها استجابة لرغبة وطلب " الملوك العرب" !
يا جناب اللجنة الملكيةخلي عندك نظريةبلكي تفضي هالمشكلو تحلي هالقضيةبالأول قاطعناكِحتى نحفظ شرفنارجعنا تعاونا معاكحيث ملوكنا أمرتناو لما نزيهة شفناكعرضنا لك القضيةفضي بقى هالمشكلو حلي لنا هالقضية يا ما شفنا لجان تحقيقو قلنا مننول المطلوبكثرت يا لورد الخوازيقو اشتغل فينا ضرب الطوبو مشينا بقى في طريقحتى نوصل للمرغوبو فضوا بقى هالمشكلو حلوا لنا هالقضية فلسطين قضيتهازي الشمس مفهومةالصهيونية اغتصبتهاو بدها تعمل حكومةو العرب بدها حقوقهاو مطاليبها المهضومةو فضوا بقى هالمشكلو حلوا لنا هالقضية العرب أمة أشرافبكل الدنيا معروفينغير المولى ما بتخافتفدي بروحها فلسطينفضي بقى هالمشكلو حلي لنا هالقضيةيا جناب الملكيةخلي عندك نظرية
وتمجيدا لأبناء فلسطين ، من زعماء وثوار، من مسلمين ومسحيين ، منفيين ومعتقلين وشهداء، تغنى نوح إبراهيم ببطولاتهم وخلدها في سجل المؤمنين ، للأجيال المتعاقبة الساعية إلى إكمال مشوار الأجداد المجاهدين حتى تحرير الوطن المغتصب:
الله يحيي المعتقلينو الزعماء المنفييننياله اللي تعذبفي سبيل فلسطيننياله اللي تعذبو ذاق الألم و التعبمش هين ابن العربهذا نسل المشهورينهذا نسل الأماجيدحمية و عزم شديدو الحرية هيك تريدرجال غيرة وطنييناللي تعذب نيالهالنيشان يحلا لهكل الغالي يرخص لهمن مسيحية و مسلمينو اللي حارب و جاهدو اللي مات و استشهدذكره للأبد مخلّدفي سجل المؤمنينو اللي خسر راسمالهو ما بملك قوت عيالهالأمة لازم تقدم لهتعوّض له قده مرتين
كما غنى نوح إبراهيم بعد الإضراب المشهور الذي أعلنه بحارة ميناء يافا (على اثر انكشاف عملية تهريب أسلحة للحركة الصهيونية ) و الذي كان فاتحة حركة إضرابية سياسية واسعة جدا ....قصيدة بعنوان (بحرية يافا):
تحيا رجال البحريةمن إسلام و مسيحيةبحرية يافا البواسلأصحاب الهمة العليةتحيا بحرية يافارجال النخوة المعروفةأظهروا مدة الإضرابشهامة عظيمة موصوفةو عطلوا كل الأعمالو أعطوا مثل لحيفارفعوا رأس الأمة يا خالومشيوا بأول صفوفهافي الإضراب ضحوا كتيرواجهوا الأمر العسيرو كانوا مثل للجميعمن كبير مع صغيرست أشهر صبروا عالجوعرفضوا الربح الوفيرو المثل بحكي و بقولالشرف عند الفقيررأسمالهم الشهامةمبداهم الكرامةمعروفين بالشجاعةو البسالة و الهمةلازم الكل يكافيهمو الشعب يشجع ميناهمو في وقت الشدة يعينهممثل ما أعانوا الأمة بيوتهم نسفوهارجالهم حبسوهاما خلوا حيلتهم شيأطفالهم شتتوهاكل هذا و هم صابرينع العهود محافظينو ان نادتهم فلسطينبالأرواح يفدوها
قبل نحو واحد وسبعين عاما رحل نوح إبراهيم، لكن ذكراه العطرة باقية بيننا ببقاء أشعاره التي تحرسها ذاكرتنا الشعبية الوطنية. ولكم هي عديدة محاولات الباحثين والمهتمين بتوثيق "الكلمة الفلسطينية" من شعر وقصة وكافة الأجناس الأدبية والفكرية لجمع التراث الفلسطيني الشفاهي والمكتوب .
وفي هذا السياق قام الباحث الأستاذ نمر سرحان في مؤلفه (موسوعة الفلكلور الفلسطيني، جزء2، مطبعة التوفيق، عمان، 1977) بجمع ما توفر من أشعار نوح إبراهيم ونشرها.
كما صدر حوله عدد من المؤلفات هي:
1. نمر حجاب، الشاعر الشعبي الشهيد نوح إبراهيم، 2005
2. سميح شبيب: الشاعر الشعبي نوح إبراهيم: الشاهد والشهيد، دراسة في ندوة بعنوان "التاريخ الاجتماعي الفلسطيني بين غابة الأرشيف و أشجار الحكايات"، 21- 22 تشرين ثاني 2003/ جامعة بير زيت.
3. عبد العزيز أبو هدبا ، " الشاعر نوح إبراهيم، بالكلمة المنغمة أرخ للثورة الفلسطينية، 1935-1938"، مجلة الزاوية، العدد3-4، شتاء-ربيع2003
4. خالد عوض، نوح إبراهيم شاعر وشهيد. مطبعة فينوس، الناصرة، 1990.
5. خالد عوض، نوح إبراهيم الشاعر الشعبي لثورة 36-39.
وفي العام 1990 منح اسم الشاعر الشهيد نوح إبراهيم وسام القدس للثقافة والفنون، من منظمة التحرير الفلسطينية.
مشاركة منتدى
10 أيار (مايو) 2022, 02:39, بقلم عبد المجيد شحادة
ابحث عن اغنية عنوانها:
جورة بحلص هييّة
اعتقد ان الشاعر نوح ابراهيم قد كتب كلماتها فخرا لاهل الخليل في هذه المعركة المشهورة في راس الجوزة بالخليل