«غصن للحرب» لحميد عقبي

غصن للحرب – للمخرج السينمائي حميد عقبي:
رواية «غصن للحرب» للمخرج السينمائي والمسرحي حميد عقبي
خاص باريس
تقدّم رواية «غصن للحرب» نصًا يمنيًا يشتبك مباشرة مع الذاكرة المتصدعة التي خلّفتها الحرب المستعرة في اليمن. في قلب المشاهد المتتابعة، التي تأتي في خمسين فصلًا مكثفًا، يظهر صوت الأم كعلامة أولى للنجاة، وكأنها الجذر الأخير الذي يتشبث به الراوي وسط زمنٍ من الرعب والقبح والموت.
ستلاحظون في الصفحات الأولى وجود عبارتها الجارحة–الداعمة: «نريد موتًا جميلاً… الله يعزّنا»، صوتٌ يشبه صلاة خافتة تقود الابن داخل فوضى عالم يتحول فيه الضوء إلى خوف والظلال إلى وحوش.
هنا يضع حميد عقبي الحرب اليمنية في مركز التجربة، فهي هنا ليست حدثًا سياسيًا، بل جرحًا روحيًا يلاحق السارد في كل احتمالات هروبه، وسببًا لإصراره على الحلم بالعودة إلى مدينته، إلى البيت، إلى لحظة بسيطة لا تزال ممكنة رغم الخراب.

الخيال في الرواية لم يكن ترفًا، نجده بأنه وسيلة مقاومة، يتحول العالم إلى مسرح سينمائي تُصنع مشاهده من رموز وأساطير وفنّ وأصوات تخرج من الذاكرة والكوابيس. كائنات تتبدل، فصول تتوالى كأنها لقطات من لعبة فيديو، وحش يظهر ثم يختفي، طريق ينفتح ثم ينهار.
كل ذلك يجعل من الرواية مساحة حرة يتشارك فيها الكاتب والقارئ بناء عالمٍ بديل، عالم لا تلغيه الحرب، كونه ينهض فوقها، كنوع من «الاستعادة» التي يصرّ السارد على بلوغها.

تقنية 50 فصل × 100 كلمة، التي يلتزم بها عقبي هنا وفي خمس تجارب روائية أخرى، لم تعمل كقيد يعطّل السرد، بل كأداة لتحويل الخيال إلى وحدات صافية، مركزة، ومشحونة بالحركة.
كل فصل يُقرأ كلقطة سينمائية مكثفة، لكنها لا تفقد ترابطها حين تتجاور، مما يمنح الرواية إيقاعًا بصريًا واضحًا، ويحول هذا الشكل الصارم إلى مساحة ابتكار لا إلى حدود جامدة.

ورغم أن هذه التجارب الست تمثّل مشروعًا سرديًا مميزًا في الرواية العربية، إلا أنها لم تُقرأ بعد بالعمق الذي تستحقه. «غصن للحرب» تُظهر كيف يمكن للحرب أن تتحول إلى خيال، وللخيال أن يصبح طريقًا للعودة، وللعودة أن تظل ممكنة مهما طال الليل.
غصن للحرب صدرت عن دار أطياف للنشر ولترجمة في الرباط ـ 2025