

غائبون
يرجع كل زوج إلى بيته مثقلاً بضغوط العمل، معبئاّ بها إلى حد الإمتلاء، يهم مسرعاً إلى إخماد لهيب جوعه بتناول الغداء، ثم دفن رأسه تحت الوسادة دفناً عميقاً سحيقاً لساعات تأكل ما تبقى من ضوء النهار، لتمتزج أخيراً بظلمة المساء، ليستيقظ بعدها على صوت المنبه أو الأذان، صلاة تليها رشفات فنجان، لإستعادة ضبط المزاج والتهيئة لتتمة اليوم، تليها محادثات هاتفية سريعة أو مناورات ومداهمات على صفحات الإنترنت، ثم تبديل الثياب والتجمل والتطيب بأجمل الروائح وأزكاها استعداداً للخروج...
والسؤال الذي يطرح نفسه في كل لحظة من الساعات الـ 24 المتتالية من كل يوم... أين دور الزوج في حياة زوجته..؟ وأين موقع أبنائه في خريطة عالمه المنفي منهم والمفصول عنهم...؟ أين هو رب الأسرة من حياة ويوميات بقية أفراد أسرته...؟ تقول الحقائق بأنه لا وقت لديه لهم... فكل أوقاته مسلوبه... وكل خانات جداوله الإسبوعيه مزحومه، وإن وجد لهم مكاناً لكان في نهاية كل أسبوع يتصدق عليهم بساعات معدودة، وبشروط وأحكام وقوانين تفرض العديد منها أشد العقوبات الساخنة إن تم تجاوزها، وأبسطها ألا تتحدث زوجته إليه.. وألا يطالبه الأبناء بتمضية الوقت معهم.. والاستماع إليهم..
كل زوج جلس في البيت أم خرج.. بات كأنه ضيفٌ في الدار أو عابر سبيل، لديه من الوقت ما يقضيه في العمل، و وقت آخر لأهله وأصدقائه.. وسفره وراحته، ونسي من هم في عهدته وذمته، والأسوء من ذلك أنه عرف ذلك جيداّ وزادهم تهميشاً وتجاهلاً، وإن ناشدوه بالبكاء – حباً فيه – بكل تألمٍ ورجاء، أفرغ ما عبئته به الأيام ظلماً وقسوةً فيهم، وبدأ بأساليب التأديب والعقاب رداً على ارتفاع أصواتهم المستنجدة به، تثبيتاً لقوته كرجل ومكانته كزوج أو أب، فارضاً عليهم تقبل الواقع والتكتم على الحقائق، وإلا ما أبقاهم لحظة تحت كنف السعادة الواهمة التي يعيشونها معه بكل (صدق وإخلاص) واستسلام ٍ وخضوع...
رفقاً أيها الأزواج والآباء المثاليون بزوجاتكم وأبنائكم، وكفاكم زرعاً للتعاسة وسلباً للسعادة، فوالله أن باستطاعتكم إسعادهم بأبسط أبسط ما يكون، وإن كان بكلمة تثلج قلوبهم من وحشة الوحدة القاتلة وألم التجاهل والبعاد، بدلاً من التسلط والتحكم ((والضرب)) والاستبداد، فأنتم في بيوتكم غالباً حاضرون... لكنكم عن أدواركم ومشاعركم (حقاً غائبون).