الاثنين ٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم عبد الغفور الخطيب

عترة الشمس

في جنّةِ الله راقَ الأُنسُ والسّهرُ
واستوطنَ النُّورُ وانداحَ الهوى العَطِرُ
في جنّةِ الله أَنغامٌ يَسوحُ بها
أَهلُ الغرامِ فلا بَيْنٌ ولا سَفَرُ
في جنّةِ الله يَروي كُلّ ذي وَلَهٍ
بَوْحَ الفؤادِ بسفرٍ ليسَ يُختَصَرُ
في جنّةِ الله حيثُ الوُرْقُ عنْ مَرَحٍ
تُبدي صبابَتَهَا والرّوحُ تنفطرُ
ما همّها النّاسُ إذْ غنّتْ بباكرةٍ
فشدوُهَا الحبُّ لا ذعرٌ ولا ضَجَرُ
يا شامُ يا قِبلةَ الإلهامِ يا وطناً
يختالُ زهْواً على الدّنيا ويَفتخرُ
فغوطةُ السّحر،ِ ساعاتُ الصّفاءِ بها
دنيا مِنَ الفنِّ.. بالأوتارِ تأتمرُ
تُعطي لعاشِقِها ما شاءَ مِنْ مُتَعٍ
على طريقِ السّنا.. بالبِشْرِ تَبْتَدِرُ
مَنْ زارها زارَ فردوسَ الخيالِ بها..
بهاؤها مِنْ جنى الأفلاكِ يُعتصرُ
فيها الأحبّةُ خلانُ الوفاءِ.. لهم
مواكبُ الضّوعِ.. للإيمانِ قد نُذِروا
تِبرٌ منابتُهم.. ذِكْرٌ مجالسُهم
خُضرٌ منازلُهم.. بالجودِ هُمْ أُسروا
يا شامُ أَِنتِ تلاوينٌ و أخيلةٌ
وجنّةٌ ضَجَّ فيها الوردُ والزَّهَرُ
في عالمِ المجدِ صرتِ اليومَ أغنيةً
تسمو فتعجزُ عنْ إدراكها الصُّورُ
الفلُّ والسَّوسنُ المغناجُ أحرُفُهَا
واللحنُ بوحٌ بهِ الأيّامُ تَنبهرُ
يا شامُ أُضمومتي أنتِ التي انكَشَفَتْ
مِنْ عالمِ السِّرِّ كمْ غنَّى لكِ السَّحرُ
وكم رعتكِ ليالٍ هامَ منشدُها
وراحَ يُسكرُها في عزفهِ الوترُ
يا بضعةَ القلبِ، يا همسَ المساءِ، ويا
ترتيلةَ الوردِ حينَ الفجرُ يَشتهرُ
يا شامُ يا سِرَّ أسراري.. تعلَّقَ في
ربوعِكِ الخضرِ قلبي فاغتنى العُمُرُ
ما بينَ ربوتكِ الغيناءِ إذْ طَرِبَتْ
وبينَ سهلكِ تاريخٌ بِهِ العِبَرُ
بروجُهُ السَّعدُ والأيَّامُ شاهدةٌ
تحدِّثُ النَّاسَ بالأعراسِ تَفتخرُ
يا شامُ يا قِصَّةَ الأشرافِ معذرةً
كمْ آلموكِ بما قالوا وما ضَمروا
كمْ أحزنوكِ وكمْ جالوا وكم غدروا
هُمْ قصّةُ البؤسِ هُمْ كفرٌ هُمُ عَوَرُ
همْ يوقنونَ بأنَّ العزَّ منبعُهُ
مِنْ هذهِ الأرضِ..حيثُ الشَّرُّ يَندحرُ
لكنَّها خِسَّةُ الأَنذالِ تَجمعُهمْ
على الضَّغينةِ، لا دينٌ ولا خَفَرُ
خَسَاسَةٌ تُذهلُ الحيرانَ، منبتُها
رُحبى الصُّدورِ، فيا لَلعارِ كمْ خَسِروا
هُمْ يعلمونَ بأنَّ الشَّامَ مفخرةٌ
تحيا مدى الدَّهرِ فيها العلمُ والفِكَرُ
آياتُها في رحابِ الأرضِ سطَّرها
قومٌ أماجدُ ما ألهاهُمُ العُمُرُ
قومٌ أماجدُ وجهُ الشَّمسِ كعبتُهم
بِيضُ الوجوهِ لهمْ عزٌّ لهمْ بَصَرُ
قومٌ يُكبِّرُ حاديهم إِذا نَفَروا:
الله أكبرُ، حانَ النَّصرُ والظَّفَرُ
راياتُهم لمْ تكنْ يوماً منكَّسةً
وعزمُهمْ حارَ فيهِ البأسُ والخَطَرُ
جباهُهُمْ مِنْ بني مروانَ إنْ نُسبَتْ
مِنْ عترةِ الشَّمسِ مِنْ نَجْرٍ لهُ السُّرُرُ
رادوا الفضاءَ فكانوا غَرْسَ أنجمِهِ
فليسَ يُنظَرُ فيهم مَنْ بِهِ صِغَرُ
إنْ عاهدوا صَدَقوا، أو قوطعوا وَصَلوا
أو حوربوا ثَبَتوا، أو جاهدوا بَهروا
لمْ يُرخصوا النَّفسَ في سِلْمٍ ومعمعةٍ
هُمُ الأكارمُ مُذْ كانوا هُمُ الغُرَرُ
يا شامُ تيهي على الدُّنيا فقدْ جُمِعَتْ
لكِ المحاسنُ وازدانتْ بِكِ العُصُرُ
دروبُ نورِكِ في شرقٍ تُحدِّثُنَا
وفي المغاربِ طارَ الخُبْرُ والخَبَرُ
عَبْرَ القرونِ كَسَاكِ الدَّهرُ سُؤددَهُ
فالسِّحرُ في بُرْدِكِ اللألاءِ لو نظروا
يكفيكِ أنَّكِ للإشراقِ قصَّتُهُ
فصوتُكِ المجدُ لا يُبقي ولا يَذَرُ
وأنَّكِ الوعدُ رَيْحانُ العطاءِ إِذا
نَادى المنادي وحلَّ اليأسُ والكَدَرُ
يا شامُ صبراً على البلوى التي نَهَضَتْ
مِنْ كُلِّ ركنٍ وضيعٍ كلُّهُ وَضَرُ
تبقينَ سِفراً مِنَ الإكبارِ نُنشِدُهُ
ما هَلَّ بدرٌ، وما دامتْ لنا بُكُرُ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى