الثلاثاء ١٧ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم نورا ردمان محمد

طلقة

كانت هذه أول مرة نرى فيها وجهه، لكننا كنا نعلم أيضًا أنها ستكون الأخيرة...

هنا يعلم الناس جيدًا معنى أن ينزع المقاوم لثامه!

عمّ الهدوء المدينة، بعد ليلة دامية من الاشتباكات بين الشبان وجنود الاحتلال، لم نكن نعلم ما إذا كان هذا الهدوء هو هدوء ماقبل العاصفة، أم هدوء ما بعدها، مع أنَّ كلا الأمرين بالنسبة لنا كانا سيان.

في الساعات الأولى من الصباح، سمعنا دوّى انفجار قوي من جهة الحاجز المستحدث من قبل جيش الاحتلال، خرج الجميع على مهل، حذرين، مترقبين، لا نعلم ما حدث، تنظر النسوة من وراء الأبواب ودرفات النوافذ، يختبىء الأطفال خلفهن بأعين خائفة، ووجوه وجلة...

مرَّ كعادته، يجوب الشوارع كل يوم، ذلك الشاب الملثم، الذي نجهل من يكون، صادحًا بأبيات المقالح،

سنظل نحفر بالجدار
إما فتحنا ثغرة للنور
أو متنا على وجه الجدار
ثم يعلو صوته أكثر، رافعًا شارة النصر،
وغدًا يكون الانتصار
وغدًا يكون الانتصار

تعلو الهتافات الحماسية في أوساط الشبان حين سماعه، نحن مشروع الشهيد القادم...

لكنه لا يلبث أن يختفي، ممتزجًا خياله بالضباب، لا يبقى إلا صدى صوته يتردد في السماء، غدًا يكون الانتصار!

استنفر جنود الاحتلال، ومنعوا أي شخص من الاقتراب، وما أن تبدد الدخان، شاهدنا شابًا ملقًا على الأرض على بعد أمتار من المجنزرة الرابضة عند الحاجز، وجنود مصابين على الجانب الآخر.

حاولنا مرارًا أن نقترب، أن نأخذ جثمان الشاب، لكن كنا نُواجَه بوابل من الرصاص كل مرة.

تبادر إلى ذهني فجأة أني لم أرَ الشاب الملثم اليوم، وتذكرت أنه مرّ بالأمس نازعًا لثامه للمرة الأولى، كان شابًا صغير العمر، كبير الفعل، تسللتْ إلى ذاكرتي حين رأيته أغنية مارسيل خليفه

منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قطفة زيتون
وعلى كتفي نعشي

وقف الملثم شامخًا مواجهًا في كل مرة، لكن هذه المرة لم يواجهوه بفوهات البنادق، ولا بالاعتقال، إنما بمدفع الدبابة...
هذه المرة مرَّ دون أن يردد أبيات المقالح التي يحب، ولم يرفع شارة النصر، فقد كان هو النصر بذاته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى