الثلاثاء ٢٢ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

شيكاغو: تشابه التجربة

سأنفق، الأسبوع المنصرم، ساعات في قراءة رواية الكاتب المصري علاء الأسواني "شيكاغو"، وكنت من قبل، مثل كثيرين، قرأت له روايته الأولى "عمارة يعقوبيان". وقد سحرتني هذه مثل تلك، فهما تكتبان عن الناس في المكان، وتعود بهم إلى الزمان، إلى ماضيهم، وهكذا نتعرف إلى ما ألم بالناس والواقع من تغيرات.

وسأتذكر، وأنا أقرأ الرواية، روايات عربية صور أصحابها فيها تجاربهم أو تجارب شخوص غيرهم في الغرب، ابتداء من توفيق الحكيم "عصفور من الشرق"، ومرورا بسهيل إدريس "الحي اللاتيني" و"الطيب صالح" "موسم الهجرة إلى الشمال" "وصنع الله إبراهيم" "أمريكانللي: أمري كان لي" وحسين البرغوثي "الضوء الأزرق" وليس أخيرا أنا في روايتي "تداعيات ضمير المخاطب" (1993).

ولو لم أكن كاتب الرواية الأخيرة لحثثت أحد الدارسين، من طلبة الماجستير أو الدكتوراة، لكتابة رسالة في التوازي بين رواية الأسواني "شيكاغو" وروايتي "تداعيات" أو الروايات الأخرى كلها. وإن كان التشابه بين روايتي والأسواني، في الأحداث، لا في الأسلوب والبناء، واضحا.
سأعترف بأن "شيكاغو" رواية لا تخلو من عنصر التشويق، بل إنه من أهم عناصرها، وسأعترف بأنها رواية ذات بناء، فثمة سارد يبدو غالبا كلي المعرفة يقص بضمير الهو، يوازيه سارد مشارك. يقص بضمير الأنا، وثمة تواز في السرد بين الاثنين، حتى يتضافر الساردان في الصفحات الأخيرة، فالسارد الأول الذي قصّ عن إحدى الشخصيات، وهي صفوت شاكر، رجل المخابرات المصرية، دون أن يكون له صلة فيها، يوازيه قص السارد الثاني عنها، ولكن لأن الشخصية تحاول إقامة علاقة مع السارد الثاني: ناجي.

وسأدون ملاحظات عديدة على "شيكاغو"، وربما لاحظت في مصير بعض أبطالها بعض التشابه مع مصير مصطفى سعيد بطل رواية "موسم الهجرة إلى الشمال". الدكتور محمد صلاح الذي يغادر مصر ويدرّس في جامعات الولايات المتحدة، ويتزوج من أمريكية هي (كريس)، ينتهي بالانفصال عنها، ويرغب في أن يجدد علاقته بزينب رضوان المصرية التي كان تعرف إليها في مصر قبل ثلاثين عاما، ولكنها، يومها، طلبت منه ألا يهاجر من مصر إلى أمريكا، فرفض ووصفته بانه جبان، وينتهي محمد صلاح في أمريكا، ينتهي وقد أطلق النار على رأسه. مثله مثل مصطفى سعيد الذي مات منتحرا في ظروف غامضة، ولكن مصطفى الذي أقام علاقات مع إنجليزيات عديدات، عاد إلى السودان وتزوج بالفعل من سودانية. ستنتهي تجارب الاثنين في أوروبا وأمريكا بالفشل، وسيحنان إلى الجذور، وسينتحران.

ومثل ناجي سيكون بطل "تداعيات"، في علاقته بالعرب وبالآخرين، أو أن العكس هو الصحيح. سيكون ناجي مثل بطل "تداعيات". وليس هذا هو المهم على أية حال. المهم أنني، وأنا أقرأ "شيكاغو" وجدتني أعود إلى ما مضى، إلى سبعة عشر عاما إلى الوراء، وإلى ربط ما أقرأ بما حدث لي شخصيا. وسأبحث عن بعض الكتب التي لها صلة بذلك الماضي. هل أنا أول من يفعل ذلك؟ هل أنا أول من يربط بين ما يقرأ وما يمر به من تجارب؟ لا أظن ذلك، وسأتذكر المرحوم محمد القيسي وروايته "الحديقة السرية". كلما قرأ رواية أو كتاباً تذكر تجربة مر بها، حتى أن حياته لتشابه ما هو موجود في الكتب.
في ص 157 من "شيكاغو" كتابة عن زيارة ناجي لأستاذه في البيت. وفي أثنائها يخبر ناجي الأستاذ الأمريكي انه شاعر، فيعجب الأستاذ بهذا، ويتذكر (لوركا)، ويقول لناجي:

ستمنحك دراستك في أمريكا فرصة طيبة لكي تفهم المجتمع الأمريكي "لعلك تكتب عنه يوما... لقد ألهمت نيويورك الشاعر الإسباني فريدريكو جارثيا لوركا اعمالا جميلة.. نحن ننتظر قصائدك عن شيكاغو".

وسأتذكر إقامتي في (بون) في شتاء العام 1990/ 1991. وربيعه ستعرف العائلة أنني أيضا كاتب، وستهديني كتابا باللغتين الإيطالية والألمانية للكاتب الإيطالي (لويجي بيراندللو) عنوانه "بون في أعمال لويجي بيراندللو" وستطلب مني، إن كتبت عن تجربتي في ألمانيا، أن أكتب عن إقامتي في (بون).

وسأكتب رواية "تداعيات ضمير المخاطب" (1993)، وسأكتب هذا في ص117. وسأكتب أشياء كثيرة، وسأعجب من هذا التشابه الكبير بين رواية علاء الأسواني "شيكاغو" وروايتي "تداعيات ضمير المخاطب". ألأن التجربة تشابهت، تشابهت الكتابة. لا شك في ذلك، وكنت أنا شخصيا كتبت ذات نهار مقالا تحت هذا العنوان "تشابه التجربة" تشابه الكتابة".

وربما وجب أن تقرأ "شيكاغو" أيضا مع رواية صنع الله إبراهيم "أمريكانللي" "أمري كان لي"، فالمكان الذي تدور فيه أحداث الروايتين واحد وهو أمريكا. ولأمريكا سنحفر ظلنا و......


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى