

تأثير القراءة على الثقافة الشخصية
القراءة هي الوسيلة الأساسية لتثقيف المرء وتوعيته بما يدور، وهي تنقل الفرد من مستنقع الجهل والظلام إلى النور والعلم ومن ثم الوصول به إلى درجات النضج الفكري والعقلي وتكوين شخصيته بأبعادها المختلفة مما ينتج عنه حكمة في التعامل مع المواقف والمسؤوليات، كما إن صفات وخصائص الالتزام والوعي والاتزان هي صفات القارئ الجيد الذي تتنوع قراءاته.ومما يحبب القراءة إلى القلوب ما أثبتته بعض الدراسات العلمية الحديثة عن دور القراءة في تنشيط الذاكرة وجلب المعرفة الكمية والكيفية وفتح أبواب التفكير والتأمل للعقل البشري للاستفادة من التجارب وخبرات الآخرين، أهم اركان القراءة هو الكتاب خير الجلساء في كل الازمان يقول الجاحظ واصف فائدته ومنفعته للقارئ: ((نعم الجليس والعمدة، ونعم النشرة والترفيه، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين الدخيل، ونعم الوزير والنزيل، والكتاب وعاء ملىء علماً وظُرف حشي ظُرفاً وإناء شحن مزاحاً وجداً.......)).
القراءة المستمرة والصحيحة تحتوي على أمور ثلاثة مهمة: الملاحظة – الاستكشاف – البحث الذاتي عن المعرفة التي بدورها تمثل الطريق السليم نحو ثقافة شخصية عالية وتطور معرفي يصاحب الفرد عبر فترات حياته مع تغيير أهداف القراءة ؛ إذا تطور القراءة الفردية يلعب دور في تطوير الفرد معرفيا وتغيير ميوله ونظرته نحو الحياة. وهي السبيل نحو الثقافة الشخصية التي تعرف بأنها كل ما يتعلمه المرء لمدة زمنية طويلة ليكتسب مجموعة من المعلومات والحقائق المفيدة في مختلف العلوم والآداب شاملا أيضا ما يحمله الفرد من ارث وتراث متمثل في العقائد والطقوس والقيم والعادات والتقاليد والموروثات الشعبية السامية، ولا يقتصر تكوين هذه الثقافة على مبدأ تحصيل العلم فحسب بل تشكل القراءة أهم عوامل ظهور الثقافة الشخصية ثم تأتي تباعا العوامل الأخرى: القنوات الفضائية، الانترنت، المنتديات والحوارات الأدبية والعلمية، التراث، المسرح.
أما ثقافة الأمة هي مجموعة من الطرق والوسائل التي تتضمَّن أساليب الإدارة وآلياتها، ونمط التفكير، وآداب السلوك والمعتقدات، أو منظومة الأخلاق والقيم التي تحكم الجماعة، وكذلك اللغة، ونمط العيش بما يتضمنه من مسكن ومأكل ومشرب ومن علاقات وأنظمة سلوك بين الأفراد من جهة وبين الأفراد والجماعة من جهة آخرى.
لكن من يتأمل واقع المجتمعات العربية ومن يتابع الدراسات والتقارير التي اجريت في السنوات الماضية عن واقع القراءة وتأثيراتها يدرك التراجع الذي تشهده القراءة بشكل رهيب في كافة البلدان العربية يضاف إليه قلة عدد المكتبات وتضائل أعداد دور النشر هذه مؤشرات خطيرة على الإهمال الذي تناله القراءة في زماننا من ابناء أمة أقرأ التي هي أول كلمة خاطب بها جبريل (عليه السلام) سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم).
وفي المقابل نجد الاهتمام الكبير بالقراءة بشتى انواعها في المجتمعات الغربية وتشجيع الفرد هناك على اقتناء الكتب والمجلات المختلفة وهذا الاهتمام تجده عند الفرد الغربي في صورمتعددة منها استغلاله لوقته في تصفح كتاب او مجلة حتى في حالات السفر، أما هذا الخمول والإهمال الذي يتصف به الانسان العربي تجاه القراءة يهدد الامة بحدوث عواقب خطيرة في المستقبل كفقدان الهوية وضياع المورث التاريخي الاصيل وضمور الامة عن انتاج المعرفة والوصول الى القدرات العالية في التصنيع والانتاج وايجاد الاعلام الفاعلين في شتى مجالات الحياة.
من ناحية آخرى إن إهمال القراءة نتيجة طبيعية لانتشار ثقافة غير سليمة كانت ولا زالت تعززها عدة أسباب وهي اولا وسائل الاعلام بما تبثه من برامج غير هادفة مع وجود تيار في الاعلام يسعى الى هدم القيم والمبادئ الفاضلة بما ينشره من برامج ومشاريع اعلامية فاسدة، ثانيا استبعاد المثقف العربي عن المشهد الثقافي وتراجع دوره المؤثر في طبقات المجتمع ودخوله في صراعات مع السلطة الرسمية، ثالثا تراجع دور الاسرة في التمسك بالقيم والمبادئ الاصيلة واستسلامها امام المدنية الحديثة مع صعود قيم ومبادئ المادة واللهث وراء مكاسبها.
هذا النتاج الثقافي الضعيف ينعكس على واقع الثقافة العامة لدى أفراد المجتمع بحيث تكون متجردة من الإبداع الأدبي والفني والفكري كما إنها تكون خالية من أي ابتكارات وإبداعات جديدة في مجالات عدة تمكن الأمة من تيسر الأمور وتسيير الحياة وحل المشكلات، لذا فإن الترابط وثيق جدا بين القراءة والثقافة الفردية والعلاقة طردية فكلما تضاءلت القراءة في حياة الفرد أصبح مستواه في إدراك وتحليل وفهم الأمور ضعيف جدا، على سبيل المثال هذا يبدوا واضحا لدى أبناء اليوم الذين يعيشون حالة من الخواء الروحي والفكري والنفسي عدا ما يمتلكونه من ثقافة غير مجدية متعلقة بمعرفة آخر الأفلام السينمائية وحفظ الأغاني العربية والغربية وأسماء المغنيين والممثلين.
تبدو صورة القراءة في الوطن العربي قاتمة ولكن تدارك هذا الموقف الحرج الذي يمر به الفرد العربي يكون بالتفكير نحو بناء جيل مثقف محب للقراءة قادر على المبادرة والبناء لان مفهومي القراءة والثقافة مرتبطتان بمسألة الهوية والحفاظ على الموروث الحضاري، والتفاعل بين هاذين المفهومين إما ينتهي بمعرفة ايجابية صالحة أو معرفة سلبية مدمرة للفرد والمجتمع على حدا سواء.
من هذا المنطلق فإن غرس بذور التجديد والإصلاح وتعويض ما فات يتم من خلال بناء الشباب العربي بناء سليما وذلك بتعليمهم مهارات وأساليب القراءة الحديثة والسعي نحو نشر المكتبات وإعطاء المثقف العربي مساحة اكبر والتركيز على دور الوالدين في توثيق الصلة بين الطفل والقراءة منذ نشأته، كما إن هذه الانطلاقة تتطلب استراتيجية شاملة تتعاضد فيها ادوار جهات متعددة من أسرة ومدرسة وأعلام ومراكز ثقافية وجهات حكومية.
مشاركة منتدى
10 تموز (يوليو) 2014, 01:34, بقلم هانى
مواضيع للثقافة الشخصية
3 كانون الثاني (يناير) 2016, 05:09, بقلم اسماء سعيد
شكرا جدا لهذا الموضوع فعلا مفيد جدا
23 آذار (مارس) 2016, 12:26, بقلم حميد تحديت
جزاك الله عنا بالخير، مقالك متميز دو رسالة نبيلة حاولت من خلاله السفر بنا بين مختلف الأمور التي تهم الوضع المئساوي الدي تعيشه مختلف المجتمعات العربية اليوم ، وقد توفقت في دلك
السؤال اليوم هو كيف بإمكان العرب الإنتقال من هدا الوضع القائم المتميز بثقافة الإستهلاك لوسائل مدمرة وخطيرة الى وضع قادم نتمناه أن يكون متميزا بثقافة الإنتاج الهادف والسوي الدي لايمكن تحقيقه الا بثقافة الكتاب والقراءة الواعية
حميد من المغرب
9 نيسان (أبريل) 2016, 14:42, بقلم ميار محمود
هده الموضوع جميله و حلو اوووى وجامد
9 نيسان (أبريل) 2016, 14:47, بقلم ميار محمود
شكرا جدا جدا جدا على المو ضوع الجميل و فعلا مفيد جدا وجزاك الله وكل خير
14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016, 21:24, بقلم الهدى نور
ما شاء الله موضوعجد مفيد وخاصة لانني تلميذة اتمدرس
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017, 13:09, بقلم سالم عزام
موضوع رائع..وعبرة لمن يعتبر...وجزاك الله خيرا...
2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018, 10:03, بقلم Zaza salmania
نص مفيد جدا
2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018, 10:04, بقلم Zaza salmania
هذا النص مفيد جدا
12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018, 20:03, بقلم عائشة
جزاك الله خيرا و شكرا لك علئ مهودك الرائع جدا و هذا النص نص مفيد جدا
12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018, 20:03, بقلم عائشة
جزاك الله خيرا و شكرا لك علئ مهودك الرائع جدا و هذا النص نص مفيد جدا