

إلام الرحيل؟؟؟....
إلى محمود درويش
درويشُ أبكيك أم يأبى بيَ الخجلُ | ||
وهل ترجَّلتَ، أم ضاقت بكَ السبلُ؟ | ||
ضاقت بكَ النفسُ ممّا حلَّّ من ألمٍ | ||
وقد طوانا الردى واحتارت المُثلُ | ||
أبكيكَ أبكيك أم أبكي على وطنٍ | ||
يحلُّهُ البغيُ مصطافاً، وترتحلُ | ||
مَن للقوافي إذا بانت يهدهدها | ||
على جراح الثرى والأرض مبتهلُ | ||
فقد بكتك بدمعٍ من دمٍ ولِهٍ | ||
وقد تناهى إلى أسماعِها الثكلُ | ||
تبكيك حمرُ القوافي في مآتمِها | ||
وقد تلاشى على ألحانها الأملُ | ||
ولتبكيَنكَ ذرَّاتُ الثرى جزعاً | ||
ولتبكينَّ حروفُ الشعر والمقلُ | ||
يبكي ترابُ الجليلِ الحرِّ شاعرَهُ | ||
ويذبلُ الزهرُ إذ وافى الحَيا الأجلُ | ||
فكمْ صُلبتَ وكم أسقيتَ من كدَرٍ | ||
وكم قتلتَ، وكم أودت بك الشِّللُ | ||
وما هربت وراءَ الجاهِ تسرقهُ | ||
ولا عماك هوى الدولار والفِللُ | ||
ولا طواكَ العدوُّ الغِرُّ مغترباً | ||
عن الجماهيرِ تحدوها وتحتفلُ | ||
فكنت وحدَك في الهيجاء توقظنا | ||
بموجِ بحرك إذ أزرى بنا الطَّفَلُ | ||
فقد أتيتَ طلولَ الأرض تمهرُها | ||
بصوتك الحرِّ إذ أغوى بكَ الطللُ | ||
وجُبتَ "عكا" وقد نادتك" بروتها " | ||
وكفرَ قاسمَ يندى جرحُها الخضِلُ | ||
وردتَ نبعَ الأسى والصبحُ محتضرٌ | ||
وهمتَ في البؤس حين الموتُ يقتبلُ | ||
قاومت حين أغار الغزو منتجعاً | ||
خنادقَ الروح والأوطانُ تنتسلُ | ||
نهلتَ من نبعها حتى ارتويت، وهل | ||
يُلامُ مَن كان مِن مأساته النهلُ | ||
قاومت دهراً وأشعلت الحروفَ هنا | ||
وقد تمرَّد صبحُ الحرف والشعلُ | ||
وصُلت بين ربوعَ الأرض ممتشقاً | ||
سيفَ القصيدة وهّاجاً به الأسَلُ | ||
وقمت تذرعُ أرضَ العُربِ تنهلها | ||
نهراً من الشعر تحدو ركبَكَ القبَلُ | ||
شعرٌ يحلِّق في الآفاق كلَّلَها | ||
كأنها البدرُ يجلو روحَهُ الغزلُ | ||
فهل تعودُ؟ وهل للشعر من وطنٍ | ||
سوى قلوبٍ دوامٍ جرحُها خضلُ؟ | ||
درويشُ ضاقت بطهرِ الطهر مهزلة | ||
قد ضجَّ يبغي نجاة دونها الهزَلُ | ||
درويشُ ما زال ليلُ الأمس مرتجلاً | ||
مأساة شعبكَ يحدوها ويرتجلُ | ||
ويبتنيها قبوراً لا يحلُّ بها | ||
إلا الشقاءُ وبؤسُ الأهل، والخطَلُ | ||
فقد توارى الضميرُ الحيُّ واقتتلت | ||
عشائرُ الحيِّ واجتابَ المدى الفشلُ | ||
ورامتِ الأسدُ وجراً تستَكِنُّ به | ||
ورام وِردَ عرينَ الضيغمِ الحَمَلُ | ||
معاذ ربّي أخي ما كنت مفترياً | ||
فقد تسلَّمَ عبساً بعدكمْ هبلُ | ||
ليستهينَ بنا الأعداءُ، والَهفي | ||
على النشاما، فهل راضتهم الدولُ؟؟ | ||
تحارُ منا جلودٌ كنتَ تسكنُها | ||
ونحن بالساحِ مضروبٌ بنا المثلُ | ||
فالآن نسكرُ في الحانات وا لهفي | ||
ودوننا الجرحُ يبكي سيلَه الجبَلُ | ||
نبيتُ نمحو ونمحو ثم يقتلنا | ||
سهمُ الغواني ببحر الشعر تغتسلُ | ||
مَن للقوافي إذا غالت مفاتنها | ||
كؤوسُ خمرٍ بها الشعراءُ قد ثملوا | ||
إذا الحروفُ شكت أوجاعَها طربوا | ||
وإنْ تهتّكتِ الأعراض ما خجلوا | ||
قمْ وانظرِ الليلَ إذ طال السُّرى ودهى | ||
مفاتنَ الشعر ما حاكوا وما نسلوا | ||
ترى القصائد قد صارت ينمِّقها | ||
على نهود العذارى شاعرٌ غزِلُ | ||
فالشعرُ يغفو على نهدين متكئا | ||
ويستريحُ على أبراجهِ الدَّج | ||
والشعر يهربُ منا حين نقصدهُ | ||
فقد ملَلنا وشاخَ الشعرُ والمللُ | ||
والشعرُ في الدنِّ قد صبَّته غانية | ||
وحولها الشَّربُ تشكو سكرَه الجُملُ | ||
فالسُّكرُ يسكرُ منا إذ نعاودُه | ||
كأساً وكأساً، ودنُّ السكر يبتهلُ | ||
فهل يعود بنا التاريخُ يذكرنا | ||
في الليل إلا كذكرى أهلها ارتحلوا ؟؟ | ||
وقد تولّت عهودٌ كنت تذرعها | ||
وتنفثُ النارَ في عنفٍ فتشتعلُ | ||
وصار شعبُك قرباناً لآلهةٍ | ||
وصارت الأرض حلماً دونه زحلُ | ||
وليس في البيدِ صعلوكٌ يطوفُ بها | ||
وليس في الربع مَن يحمي ومَن يصلُ | ||
وهاجرَ الشعرُ مثل الأهل إذ لجأوا | ||
وصار مرتحلاً، حقاً، كما رحلوا | ||
وبيعَ شعرُك بالدولار واستترت | ||
مفاتنُ الأرضِ واستقوت بها المِلَلُ | ||
ولونك الحرُّ قد أخفت ملامحَهُ | ||
على سفوح تباهت فيك تحتفلُ | ||
وصوتُك الحيُّ فوق الريح تنثرُه | ||
أيدٍ يكبِّلها الطاعون الشَّلَلُ | ||
وقلبك الطفل قد غالوا أمانيه | ||
وساومتهُ المنايا والدجى الوَجلُ | ||
هل انتظرت طيورَ الورد عائدة | ||
لأرض "بروة" أم هل ضاقت السبلُ؟؟ | ||
أم ماجَ في القلب بحرُ شاء عابرُه | ||
أن يستقلَّ سفينَ العودةِ الأوَلُ؟؟ |
إلى محمود درويش