ودَّعتُ وجهَكِ والسَّماءُ تنوحُ |
|
|
والعطرُ، يا بغدادُ، منكِ يفوح |
ودَّعتُ أرضكِ لا ككلِّ مودِّعٍ |
|
|
توديعَ طيرٍ أثخنته جروحُ |
كانت سويعاتُ المساءِ حزينةً |
|
|
والصَّحبُ صوتُ بكائِهم مفضوحُ |
فتركتُ في نهرِ الفراتِ أناملي |
|
|
تلهو، وشعري داعبتْهُ الرِّيحُ |
مُذ جئتُ أرضَ الرافدين وقصتي |
|
|
معها كعشقٍ لامَسَتْه الروحُ |
فدخلتُ بغدادَ العظيمةَ خاشعاً |
|
|
والثغرُ فيه الذكرُ والتسبيحُ |
كان الصَّباحُ على الدُّروبِ، وفي السما |
|
|
أنوارُ عاصِمَةِ الرشيدِ تلوحُ |
صافحتُ طيفَ أبي نواسَ، كأنه |
|
|
فجراً لحانةِ قُرْطَُبُلَّ يروحُ |
ورأيتُ في أرضِ السماوة فارساً |
|
|
ملأ الدنا، وجنتْ عليه طموحُ |
كنا نزورُ الأعظمية في المساءِ |
|
|
وكان يزخر بالضياءِ ضريحُ |
فرأيتُ وجهَ أبي حَنيفةَ ماثلاً |
|
|
مثلَ الملاكِ وقلبُه مَجروحُ |
"بغدادُ شمسٌ يا بُنيَّ ونورُها |
|
|
في الكونِ يسطعُ مُذ أتاها نوحُ" |
فبكيتُ من كلماتِه متألماً |
|
|
وأخذتُ في وَجهِ الزمانِ أصيحُ |
|
أُغربْ بوجهك يا زمانُ فإنه |
|
|
وجهٌ كأفعالِ الطغاةِ قبيحُ |
أتصيرُ أرضُ القدسِ مثلَ جهنمٍ |
|
|
وتصيبُ أرضَ الرافدينِ قروحُ؟ |
دررُ المدائنِ تُستباحُ أمامَنا |
|
|
والدهرُ دَوماً بالرِّجالِ شحيحُ |
مَنْ للعراقِِ؟ ومنْ لغزةَ هاشمٍ؟ |
|
|
هل سَوفَ يظهرُ في الزمان مَسيحُ؟ |
هل سَوفَ يظهرُ خالدٌ أو طلحة |
|
|
رَجلٌ عظيمٌ حازمٌ وصَريحُ؟ |
أصبحتِ يا بغدادُ، درةَ فكرتي |
|
|
فالشعرُ دونكِ تافهٌ مقروحُ |
لا عاشَ يا بغدادُ من ينساكِ، هل |
|
|
أنسى عيوناً بالجَمالِ تبوحُ؟ |