
من كفِّ جَدّتي
بقلم: لميس حجة
(إذا كان الشتاءُفأدفِئونيفإنَّ الشيخَ يهدِمُهُ الشتاءُ)من بيتِ عزلتي قصدتُهاسعيتُ في دروبِهامن كفِّ جدّتي(وسْطَ الزحامِ والضجيجِ) خِلْتُنيهَرَعتُ فانزلقتبَصَّرتُ في ردائِهاجَدَدْتُ خلفَ صوتِهاأهيمُ في عُجالةٍعلى خُطى عَطالَةٍكأنني المجنونُأو بشَطرِ قلبِهِ العُضالْوحُبِّهِ المشؤومِ والسؤالْمشيتُ بين الشمس والظلالْوكانَ للنهارِ ساعتانْ ويُطفَأُ الزوالْبين الزقاقِ والزقاق خُطوتانْوفي الوصيد طفلتانْتلهُوانِ تعثُرانِ تنهَضانْوشرفةٌ وشباكانيعابثان عابرَ الطريقبوجهِ شادنٍ يطل من ستائر الحريريضمِّخُ الهواء بالعبيرلبرهةٍ وجيزةٍ من الدوار لا تطولفالذي يراهُ لا يفيق من ذهولوقد هوى لتوه من سُلَّمٍتدلى من حرائق البخورثم اختفى كما بداوظلَّ خاتَمِ العقيقْفي بَنَانِ شهرزاديطرزُ الحكايا في البلاد:(هناك في حدائق الفردوسْمع السواقي والورود عاشقانمُتيَّمانِ مُغرمانِ مُدنفانوُقهرمانةٌ عجوزوتاجرانِ من بغدانوطفلةٌ صبيةٌ غنوجْلغائبٌ عن الديار في البحاروثمَّ زوجةٌ وحاسدٌ غيوروظامئٌ إلى الجهاد في الثغورهناك ما يعجُّمن بدائعِ الدهور)عبرتُ في الطريقوكف جدتي المعروقيدور بي كطلسم مسحورأخُبُّ في الركائبِ العتيقيحيط بي الحمامُكالمُبَلبلِ المَشُوقوغامضُ الحجارة الجليلةتقودني بصمتهاوتفتح الدروبلعاشق مريدبصحن مسجدٍيحاور السماءَ كي تفيضللشَّقيِّ والعَصيِّ والعنيدبالرحمة الجميلةْرأيت فيما قد عرفتُبابَها الشرقيَّ و(الأصيلةْ)ورحلةَ الدروبِ والحواريولُحمةَ العمارةِ الحميمةْكأنما أدورُ في خميلةمن غابةٍ لغابةٍفلا أضلُّ أو أَضيعُأو يَقَرُّ لي قَرارَْوجَدتُني فُجاءَةًأمامَ بيتِ جَدِّيْفي الجوارْلكنني في لحظتي(من وَحشت)بدوتُ ثَمَّ بُرهةًكأنَّني دخيلةْ(وقالوا غريبٌ طارقٌطَوَّحَتْ بهِمتونُ الفيافيوالخُطوبُ الطوارحُ)في ساحةِ الديارِ ما جلَستْمن مَشْتَلِ الأزهارِ ما قَطفتْهريرُ قطِها العجوزِ (ما يريمُ قُربَ الجبِّ)ما سَمعتْأتابعُ النافورةَ الصغيرةْفي خَرِّها البَطيءْوبابَ قبوِ( المونةِ) الوَطِيءْومَطلِعَ الأدراجونجمتان تعلوان زُخرُفَ الشبَّاكِ والأقواسوما امّحى مِنْ وردِها والآسْوغيمةً كبيرةً من الغيابلعله سرابيطوف في وجوموقفت في عباءة السكونأُديرُ مقلتانِ أو حُلمان يعبرانمشارفَ الفناءِ والخلودْأغوصُ في صيرورة الوجودلكنّها عوائدُ الليمون والنارنجِ والأجاصتخلصتْ بطيئةً لقلبيَ المسكونِ بالأشباحِ والجليدْوعادتِ الحياةُ من جديدْتضجُّ في (البيوتِ ) كالأجراسْوغادَرت عَصائبُ الغبارْمن مكتباتِ الحائطِ المَنْسِيَّةِ الإطارْوحائلِ السجادِ والأستارْوعادتِ الخالاتُ والعمّات والجاراتومُثلجُ الشرابِ في (الكاساتْ)وخَفقَةُ العودِ البهيجِِ والآهاتْفي مُلْتَقى (القَبولْ)على سُرادقِ الربيعِ وردةُ الفصولْوزنبقُ الحياةِ في الجذورياأنتَ، هل هجرتْ سُقْيَها!أمْ أنّها تَحُول(ودِّعْ ُهريرةَ إنّ الركبَ مُرْتَحِلُوهل تُطيقُ وداعاًأيها الرجلُ)صعدتُ (للمُربَّعِ) الكبيرِ حيثُ جدّتي تنامْوجسميَ الصغيرُ قربَها يلوذْومُفزَعاً وخافِتاً بدفئِها يعوذْمن طائِفٍ من جانْيَحومُ في المكانْويغزُلُ الأشْراكَ في طِرادِهِلِيُوقِعَ البناتِ والصِّبيانْفي قاعِ بئرها بمائِه الرَجْراجْسمعتُ مُبهَما حديثَهُ المِغناجْوغلَّ يستريحفي الحقِّفي غَيابةِ المحيطِفي النسيانْوقفتُفي نَصاعَةِ السطحِ المُضيءِ في المساءرأيتُ جدتي تُتَمتِمُ الدُعاءْوتَرقَبُ السماءَ في الغروبْوالطيرَ والحمامَ إذ يؤوبْلبيتِ جارنا معَ الأذانْوهَدْأَةَ المدينةْإبّانَ يقطُرُ الأمانْويَنزِلُ السلامُ للقلوبْمع الظلالِ والطيوبْويحضُنُ المدينةَ العتيقةَ التقيَّةَ اللعوبْسمعتُ صوتَ قلبِها الحزينِِ والدَؤوبْأقْرَأتُ سيفَ الدولةِ السلامْوعينَهُ التي مفتوحةً تنامْعلى الثُغور والعَتادِ والبِلادْقصدتُ قصرَهُ الّذي أَضَعْتُ في الرهانْفما عَرفتُ مطلقاًأأينَ كانَ كيف كانْوأين سارَ؟ أو أراحَ مدَّهُ،ومن ملا بلاطَهُ؟ومن تُرى الغريبُ! دقَ بابَهُومن ترى المنكوبُ والمنهوبُمن هوَ المَدينُ والمُدانْ(ولو أنَّ شيئاً يُستطاعُاستطعتُهُولكنّ ما لا يُستَطاعُشديدُ)طوَّفتُ ناظريفي مُطلَقِ المدينةْمسحتُ دمعةً من مُقلَتيودمعةً من خدِّ جدّتيوكنتُ قد ظننتُ أنني دفنتُهامن ألفِ عاموأظلَمَ المكانْ
بقلم: لميس حجة
– الأصيلة: حارة في حلب القديمة
– القبول: اجتماع شهري دوري لمجموعة من النساء تجمعهن قرابة أو معرفة
في حلب القديمة ولا تزال له بقية