

فهمى عمر يتذكر كواليس بيان ثورة يوليو 1952
قال الرائد الإذاعي فهمي عمر عن ذكرياته إبان عمله يوم قيام ثورة 23 يوليو عام 1952: كنت في طريقي للإذاعة يوم الأربعاء 23 يوليو عام 1952 بعد هبوطي من سيارة الإذاعة فشاهدت في شارع علوي حيث استديوهات الإذاعة قوات عسكرية ودبابات كثيرة فأيقنت أن هناك حدثا هاما وخاصة أنني لمحت الشاب الأسمر الذي كان يخرج معنا في المظاهرات التي تطالب برحيل الاستعمار عن مصر أنه محمد أنور السادات وفي حوالي السادسة والربع صباح يوم الأربعاء ٢٣ يوليو عام 1952 وصل محمد أنور السادات إلى استوديوهات الإذاعة بشارع علوي وسط حراسة مشددة كنت مذيع الفترة الصباحية فقال لي السادات إنه سيجرى بعض التغييرات في برامج الإذاعة لأن هناك بيانا مطلوب إذاعته فقلت: الإذاعة تحت أمرك.
دخل السادات الاستديو وكان يعتزم إذاعة البيان بعد المارش العسكري الذي يعقب افتتاح المحطة الذي كان ينتهي في السادسة واثنتين وثلاثين دقيقة ولكن علمت من المهندسين أثناء إذاعة المارش العسكري بأن الإرسال قد قُطع من محطة (أبو زعبل) ولمَّا علم السادات خرج من الاستديو وأبلغ الموقف للقيادة وواصلت تقديم فقرات البرنامج اليومي وفقاً للمواعيد رغم علمي بانقطاع الإرسال وبعد حوالي أربعين دقيقة من انقطاع الإرسال عاد الإرسال وكان ذلك في حوالي الساعة السابعة وثلاث عشرة دقيقة فبادرت بإبلاغ السادات بعودة الإرسال فسألني: هل يمكن إلقاء بيانى ؟ فقلت: بعد دقيقتين ستنتهى إذاعة القرآن الكريم وسوف يتلوه حديث دينى لمدة عشر دقائق فقال السادات: لا.. أنا سأذيع البيان بعد القرآن مباشرة وفى الساعة السابعة والربع تماما تأهبت لتقديم السادات لإذاعة البيان وإذا بالمهندسين يبلغوني مرة أخرى بأن الإرسال قد قُطع ثانية ولكن هذه المرة من مصلحة التليفونات وليس من (أبو زعبل) وثار السادات غاضبا وقال: إيه ده تانى.. وأسرع إلى التليفون حيث عاود اتصاله بالقيادة وفى الساعة السابعة وسبع وعشرين دقيقة عاد الإرسال مرة أخرى وكان ذلك من المصادفات الحسنة لأن نشرة الأخبار كان موعدها فى السابعة والنصف صباحاً وهو أفضل موعد يستمع فيه الناس إلى نشرة الإذاعة.
أضاف الرائد الإذاعي فهمي: عندما دقت ساعة القاهرة وقتئذ معلنة السابعة والنصف تأهبت لتقديم أنور السادات بالصفة التى طلبها وهى أنه مندوب القيادة فقد رفض أن يقدمه باسمه وبعد إجراء التقديم قرأ محمد أنور السادات البيان الأول للثورة فى مستهل نشرة الأخبار واستغرقت تلاوته دقيقتين ونصفا واختتم القراءة بذكر موقع البيان اللواء أركان حرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة وواصلت قراءة نشرة الأخبار التي كان معظمها خاصا بمراسم تشكيل وزارة نجيب الهلالى ومقابلات الملك مع رئيس الوزراء والوزراء وقد سألت السادات قبل قراءة النشرة: هل أحذف منها شيئا فقال: اقرؤها كلها كما هى.. وما كاد السادات ينتهى من قراءة البيان حتى تركه لأحد الضباط القائمين على حراسة الإذاعة وعاد إلى مبنى رئاسة الجيش ولم يتم تسجيل البيان عند إلقائه فى المرة الأولى بصوت أنور السادات.. لأنه لم يكن معروفاً لدى الإذاعة وقتئذ نظام التسجيل بالأشرطة البلاستيك بل كان التسجيل يتم بأشرطة صلب بماكينات كبيرة وصغيرة بعد وصول المهندس المختص بعد الساعة التاسعة صباحاً يوميا.
بعد مغادرة محمد أنور السادات دار الإذاعة بعد إلقائه البيان الأول كثرت الاتصالات مع الإذاعة لإعادة إذاعة البيان نظراً لأن فئات عديدة من الشعب لم تتح لها فرصة الاستماع إليه وعندما استأنفت الإذاعة إرسالها فى فترة الضحى التى تبدأ فى العاشرة صباحاً وتنتهى فى الحادية عشرة والنصف كان المهندس أحمد عواد المختص بالتسجيل قد وصل وطلب المذيعون من أحد الضباط القائمين بالحراسة إلقاء البيان بصوته ليسمعه أولئك الذين فاتهم الاستماع إليه فى الفترة الصباحية وتقدم الصاغ محيى الدين عبد الرحمن وألقى البيان على الهواء مباشرة فى العاشرة صباحا وتمكن المهندس أحمد عواد من تسجيله وبدأت محطة الإذاعة تذيعه على فترات ليسمعه أكبر عدد من المواطنين ولكن قراءة الصاغ محيى الدين عبد الرحمن كانت مليئة بالأخطاء اللغوية إلى الحد الذى أثار ثائرة الكثيرين وجعلهم يتصلون بالقيادة لتدارك الموقف وبالفعل اتصلت قيادة الحركة بالرائد محيى الدين عبد الرحمن بالإذاعة وطلبت منه وقف تلاوة البيان بصوته وتكليف واحد من المذيعين بتلاوة البيان بطريقة صحيحة وكان أول مذيع يقرأ البيان بصوته هو المذيع صلاح زكى كما أذاعه المذيع جلال معوض بصوته فى نشرة أخبار الثامنة والنصف مساءً ولم يسجل البيان بصوت أنور السادات إلا خلال الاحتفال الذى أُقيم بمناسبة مرور ستة أشهر على قيام الثورة أى فى يوم ٢٣ يناير ١٩٥٣.
لم يكن هذا البيان هو البيان الوحيد للثورة ولكن كان هناك بيان ثان توجه به اللواء محمد نجيب إلى القوات المسلحة جاء فيه: تعلمون جميعا الفترة العصيبة التى تجتازها البلاد ورأيتم أصابع الخونة تتلاعب بمصالح البلاد فى كل فرع من فروعها وتجرأت حتى تدخلت فى داخل الجيش وتغلغلت فيه وهى تظن أن الجيش قد خلا من الرجال الوطنيين وإننا فى هذا اليوم التاريخى.. نطهر أنفسنا من الخَوَنة والمستضعفين ونبدأ عهدا جديدا فى تاريخ بلدنا وسيسجل لكم التاريخ هذه النهضة المباركة أبد الدهر ولا أظن أن فى الجيش من يتخلف عن ركب النهضة والرجولة والتضحية التى هى واجب كل ضابط منا والسلام.