بين الخضراء والنيل
| الثورتان مضاجع الفقراء | والحالمون حكاية الشهداء |
| يا عمر مقصلة الجراح وحدّها | والأمسيات طليقة الأرجاء |
| لم تبرح الآلام تقطر ومضة | بمخاضها الليلي قوس إباء |
| تتلحّف النيل الرقيق وعذبه | والماء موتور بقلب الماء |
| جاءت لباب الأمس توقظ حسه | لتعيد طيرا من يد الغرباء |
| وتشد أطرافا تعانق مجدها | تحمي الجباه من انتفاخ بكاء |
| حتى اذا امتلأ الفضاء بوهمه | غنت عصافير من النبلاء |
| فتحوا الصباح فطلّ من أفيائهم | طود من الشرفاء للامضاء |
| فتأنقوا للحلم بين لغاتهم | صوت "الجزيرة" مرصد الأصداء |
| وتسلقوا نهم الكبار بفنهم | مذ أول التاريخ للآباء |
| من أين للآمال تحشد قلبها | وحرائق الأبواق سيف بغاء |
| نهضوا ومرضى الذات فوق صدورهم | غرست خناجرها على الأعضاء |
| فأبوا اشتعال الدمع يطفئ ثورة | رغم الممات وخنجر السفهاء |
| فتقوا العيون قوافلا وحناجرا | وتعشقوا للراية البيضاء |
| كانوا الطيور تعدّ من أيامها | عش النقاء ومعهد الآلاء |
| وتمسكوا بالريح تنسج بعضهم | نغم السلام ومرفأ القرناء |
| الآن يتسع الطريق للحنهم | وعيونهم همم من الندماء |
| وتضج أقياد السنين بعرسهم | نعش الكرامة أصدق الفصحاء |
| ليؤرخ الميدان من أشلائهم | حرية من أوجه الضعفاء |
| لم تدمع الكلمات في أحزانهم | رغم الضجيج وشدة اللؤماء |
| صمدوا بثوب العاشقين وأفردوا | للحب موّالا من الأنباء |
| وتعلقوا بالضوء ينقش وقتهم | رغم انطباق القلب بالإعياء |
| حفلوا بمعنى الموت عشقا صارخا | مذ رسخوا شعبا من العلياء |
| الثورتان مع القناديل اشتهت | نافورة من أعين الخلصاء |
| فزعت وللفرعون صوت جائر | لم يترك النهرين دون خواء |
| كنسته ممسوخة على تاريخها | وتبادرت قيثارة الشرفاء |
| هل تسمعون الآن حفل ترابها | لبس الوقار وعاد للأبناء |
| خضراء والإيقاع يغسل صمتها | وأنوثة غرست على الأصداء |
| اليوم تتحد القلوب بلحنها | اليوم تطرب أحرف الشعراء |
| وعلى مشارف نيلها أمسى المدى | شمسا تطيل حفاوة الأضواء |
| هي مصر- تونس والذي ما | بينها شعب تأبى عيشة الخيلاء |
| الثورتان بحيرتا أمل وذا | جسد يضجّ بمقصل التعساء |
| هي ضحكة الرمل الكئيب تصيغهم | حجر يصد ضراوة الظلماء |
| كانوا كما الأشجار تنبت بعضها | غابات حب حافل بدماء |
| يا ثورة كتبت نياشين المدى | جاء الزمان بنحلة الأجواء |
| فلكل أرض ثورة تسمو بها | ولكل تاريخ صدىً لبناء |
