

الورداني ناصف شاعر الوطن
الكلمة الطيبة تستمر وتبقى مابقيت الحياة،وعلى ظهر المعمورة المليارات من الناس،منهم مايعد في عداد الأموات برغم وجوده،وفي بطن الأرض وبين الثرى الموتى ولكن منهم مازال بداخلنا،وفي هذا الصدد أذكر الصديق والأخ العزيز الشاعر والصحفي الورداني ناصف ففي الثامن عشر لشهر أبريل عام 1950 كان مولده في قرية بمم مركز تلا بمحافظة المنوفية.
الشاعر الصحفي الورداني ناصف عشق الكلمة والأدب والقراءة منذ طفولته،وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة التحق بكلية التربية الرياضية جامعة حلوان وحصل على البكالوريوس عام 1977 وعمل بالصحافة فأعد الصفحة الأدبية بجريدة الطلبة بمؤسسة دار التعاون للطبع والنشر ثم عمل محرراً بنفس الجريدة ثم رئيساً لقسم الأدب بجريدة السياسي فمحرراً برلمانياً ونائباً لمدير التحرير كما ترأس تحرير عدة صحف ومجلات منها:جريدة مصر وجريدة النداء الدولية ومجلة الرياضة ومجلة كل الدنيا.
حصل الورداني ناصف على المركز الأول في الشعر والزجل من جامعة حلوان عام 1977 وكرمته الدولة في عيد الفن 1979 كما حصل على شهادات تقديرية وجوائز مالية من جهات متعددة وفي عام 1979 كتب عنه جريدة المساء القاهرية وفي الخامس والعشرين من شهر مايو عام 1980 أنضم إلى أعضاء اتحاد كتاب مصر هذا بالإضافة إلى عضويته في نقابة الصحفيين وجمعية الأدباء ونادي القصيد وجمعية العقاد الأدبية وجمعية الأدب والفكر المعاصر وكرمته الدولة في عيد الفن والثقافة واختارت وزارة التربية والتعليم المصرية قصيدته (أم الحضارات) وقررتها على الصف الثالث الثانوي الفني الصناعي كما أذيعت أشعاره في عدة برامج إذاعية منها:برنامج (قطرات الندي) وبرنامج (في هدأت الليل) وضمه معجم البابطين للشعراء العرب وفي عام 1995 طبع ديوانه الأول (همسات الورد) وأهداه إلى روح والده حيث قال في الإهداء:(إلى الذي زرع الورد ورواه،وحافظ عليه ورعاه،وفارقنا ولم يتنسم عبيره،إلى صاحب البستان،إلى أبي أهدي تلك الهمسات).
لقد تأخر كثيرا الشاعر الصحفي الورداني ناصف في طبع ديوانه الأول والأسباب ذكرها شاعرنا في تقديمه لديوانه الأول (همسات الورد) حيث قال:(أعلم أنني قد تأخرت كثيرا في إصدار هذا الديوان وأعلم أيضا أنني قصرت في حق نفسي فلم أعبأ بما كانت تمليه على في بعض الأحيان لكي آخذ فرصتي في نشر إبداعاتي في حينها مثلما فعل البعض منهم وتأخر لذلك إصدار ديواني هذا مايقرب من ربع قرن،لم أرغب في الجري وراء أصحاب دور النشر الذين يمثلون مراكز قوى في عالم الكلمة وانعكس ذلك على فلم أحاول النشر حتى في المنافذ الأدبية في الصحف والمجلات برغم صلتي الطيبة بمعظم المسئولين عنها باعتبارهم زملاء مهنة واحدة وهى الصحافة وتلك طبيعتي،بل الأغرب من ذلك أنني لم أنشر لنفسي في الصحف والمجلات التي أشرف على القسم الأدبي بها طوال خمسة عشر عاما بالرغم من أنني نشرت بها للسواد الأعظم من أدباء مصر وشعرائها وزجاليها في القاهرة والأقاليم).
الشاعر الصحفي الورداني ناصف وهب موهبته للشعر وقلمه للدافع عن الأصالة والتراث العريق وقد أكد ذلك حيث قال:(فضلت الانتماء إلى الشعر الأصيل الذي صاغ فكر أمتنا وشكل وجدانها وفتح أعينها على ماضيها العريق ، وحملت قلمي مدافعا عن الشعر وأصالته وتراثنا وعراقته من خلال القصائد التي كتبتها وألقيتها في المحافل الأدبية وكليات اللغة العربية والإذاعة والتليفزيون ومن خلال كتاباتي المستمرة في الصحف والمجلات التي عملت بها).
تعرفت على الشاعر الصحفي والأخ الأعز الوردانى ناصف فى الثمانينيات وكنت أحرص على حضور ندوته بنقابة الصحفيين حيث كنت من مؤسسيها ومن ذلك الوقت كان القريب إلى قلبي وعقلي.
من القصائد التي ضمها ديوان (همسات الورد) للشاعر الصحفي الورداني نصاف قصيدة (رسالة من السماء) وأهداها إلى سناء محيدلي عروس لبنان التي نفذت عملية بطولية ضد عدو الوطن،وفي هذه القصيدة نجد سناء تخاطب أمها وقد أبدع وأجاد شاعرنا المتميز في قصيدته هذه حيث قال :
أماه .. تلك رسالتي ببيانيتأتــي إليك وما بها عنوانـيأرسلتها ياأم بعد تغيبيعن الصدر العطوف الحانيفلقد عهدتك تفزعين لغيبتيوتهرولين إذا نأى أخـوانيأماه .. إني قد تركتك والأسيوالحزن في جنبي يعتصرانيينتابني هم ثقيل ماثلقهر المني والحب في وجدانيفالأهل كم صـار الدمار يحوطهممتعدد الأشكال والألـوانوتراب أرضي صـار نهبا للعداأمسى عليه الدم كالفيضانقسرا عليه لكم أباحوا جرمهملم يرحموا فينـا الضعيف الفانيذبحوا الطفولة والكهولة والمنىظلما .. وأزكوا جذوة النيرانوأبيت أن أحيا حياة مرةفيها تهان كرامة الإنسانفحملت عمـري فوق كفي لم أهبموتـا .. ولم أرهب وعيد الجـانيفالموت أمر في الخليقة نافذويعز من يفنى فدا الأوطانأماه .. تلك رسالتي مغمورةبالحب .. بالأشواق .. بالتحنانأرسلتها ياأم حتي تغفريبعدي عن القلب الحانيلاتغضبي مني فإني لم أجدفي الذل نفسي فاصطفيت مكانيوذهبت والإيمان درع كرامتيللموت دون تراجع وتوانفالموت ليس نهاية لحياتنالكنه بدء لعيش ثانأماه .. لما تقرأين رسالتيفترفقي بي .. واغفري عصيانيلاتحزني ياأم أنت ولا أبيفأنا بقرب الله فاحتسبانيعذري أقدمه إليك .. إلي إبيفلقد تركتكما بلا استئذانفالموت أهون من حياة كلهافتك وتشريد وقتل أمانشعري كما تبغين قد مشطتهوضفرته أمي كذيل حصانوحملت مرآتي وعطري والمنىوحملت نور الله في كردانيلأعد نفسي كي أكون جميلةيوم الزفاف بجنة الرضوانأماه .. أني قد تركتك لم أدععمري يطول بغابة الأحزانفلقد وجدت العيش في ظل الردىكالموت قهرا ليس يختلفانصور المذابح كل يوم عفتهامن ذا يحل الفتك بالإنسان ؟أماه .. صلي واضرعي وتهجديواستغفري ربي رفيع الشانوتذكريني في الصباح وفي المسابدعائك المأثور .. بالقرآنقولي لأخواني الصغار بأننيضحيت من أجل الثرى اللبنانيمن أجل أن تحيا بلادي في الذرىوطنا لكل الأهل والخلانالآن أشعر بالهدوء لأننيفجرت في صلف العدا بركانيحطمت فيهم نزعه مغرورةوملأتهم بمرارة وهوانعلمتهم أن العروبة قلعةوالأرض حب راسخ البنيانأماه .. أرجو الآن أن تتأكديأن الخنوع يقود للطغيانوتأكدي ياأم إذ لم ننتفضسنكون حتما واحة الغربانفهبي لإخواني الحياة كريمةبالثأر ممن شردوا أخوانيأزكي التحدي في دماهم .. أشعلينارا تبيد معاقل العدوانلاتخشي الموت الذي قد ضمنيفالموت للأحرار عمر ثانهذا النداء إليك لو حققتهستغيرين خريطة الأزمانوتؤكدين عروبة من دونهاتتوقف الدنيا عن الدوران.
أيضا حرص الشاعر الصحفي الورداني ناصف على الكتابة للوطن ولذا تجده مدافعا وراهبا في محراب مصر الحبيبة ونؤكد هنا أن الذي لايطوع موهبته لأجل الإنسان والوطن فلاقيمة لكلماته أو موهبته.
يقول الشاعر الصحفي الورداني ناصف في قصيدة أحبك يامصر:
أحبكِ يامصر للقلب نوروأهواكِ قلبا رقيق الشعورونبعا يفيض بعذب الأمانيوفجرا تهادى لصبح منيرأحبكِ فوق حدود الهوىوحبكِ وحي النهى والضميرأحبكِ حبا يفوق الخيالفلاند في الحب لي أو نظيرفأنتِ الهواء..وأنتِ الدواءوأنتِ الحياة..وأنتِ الضمير .في قصيدة (أم الحضارات) يقول أيضا شاعرنا:مصر .. يامصر .. يارياض المعانيعشتِ حصنا مدى الزمان عتيداعشتِ في خاطر الوجود فيوضاللوفا..للعطا..وفكرا سديداوتفردت للحضارات أماَجعلت صدرها لهن مهوداصانكِ الله من تباريح عصرقتل الفكر واستلذ القيوداوحمى العقل من رياح توالتأشبعت بالسموم دهرا مديداكي تعيشي لأمة مدى الحياة بنودا .
في الساعة 12 ظهر يوم الخميس 23 سبتمبر عام 2010 م أعلنت عقارب الساعة وفاة الشاعر والصحفي الوردانى بعد صراع مع المرض وتوارى جثمانه في ثرى مقابر الأسرة الموجودة بقريته بمم مركز تلا بمحافظة المنوفية، وبرغم رحيله إلى الدار الآخرة إلا أن أشعاره وسيرته الطيبة في القلب والعقل مابقيت الحياة.