الأحد ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨

يا أيها المتعبون

عفاف خلف

ليس ثمة ضوء، بل عام مضى، دون إكليل شوك، ولا مسيح يصلب فيرتبكُ جذلاً خشبُ الصليبِ لدمِ أضحيةٍ باركتها السماء، يرّتج الباب، وأُقفل على صدأ الأيام ختم عامٍ مرَ كقافلةٍ تتخفف من بعض الأثقال، ولا تزرُ وازرةٌ إلا ما تراكم في الحقائب من غبار الذكريات، تخففوا تصلوا يا أيها المتعبون.

لا غائلةٌ في السودان، تقول الخادمة: منذ إعلان المتمردين إدخال النفط في أجندتهم الوطنية، قامت حفيظة أمريكا، لذا دخلوا تخفيفاً عن شعبٍ أثقله سوط ثوراتٍ تنسل لحمه طبقات، ولا ببغاء في قفصي يردد خادمة ذكية.

كانت جدتي حين أمر عليها صباحاً قبل حجّي اليومي إلى المدرسة، وفيما بعد الجامعة، تثقل قبي بما تيسر لها من شذرات الأخبار، لتسألني: أيننا على الخارطة؟ كنتُ أدفن تحت ركام السطور ما علق في ذهني، لتتلعثم في الرد خارطتي.

ماتت جدتي، وكبرت لعثمتي، والأوراق تحولت لوسادة، تمطّي أيتها الخارطة أو انقرضي، لا مشنقةُ ستُعلق رأسي، ولا حبل غسيلٍ أنشر عليه ما اتسخ فيكِ، وما علق في رحمكِ من ابتهاجٍ أجنبي.

في زيارةٍ لطبيب التجميل، شكوت له بقعاً أراهاً على الوجه، قرّبني من ضوءٍ تتعرى له كتل الإسمنت حتى العظام، كاشفةً عن ترهلات " النفط "، سلّط في العمق عدسته، ليكشّر عن أنيابٍ ناصعة البياض، بقعك أيتها العزيزة لا ترى، سيذكرني بطبيب عظامٍ زرته حين شكوتُ فقدان توازني لشعورٍ أن الأرض تحت قدمي متحركة، تنزلق من تحتها مخالفةً كل قوانين الجاذبية والإنجذاب، يومها غمّز لأمي باسماً دعيها تأخذ اسبرو أطفال، تتخفف من وهمٍ زارها، ويكاد يواصل الإغارة، ستتبرقع خارطتي بدمٍ وحواجز، راياتُ حدادٍ وبعض الآبار، وسيبرهن طبيبي كما نيوتن، أن العيون حين يغشاها العمى لا ترى إلا سخام الحبر يلطخ أزرق الأوراق، وسيسيل الحبر هتاناً كأمطارٍ دافئة، تغسل ما أصاب القلب من عطب، وسأشلح قلبي لديه.

تسعة عشر فرحاً في العراق، بعضُ حجيجٍ يأتون الله جهرةً بما تضّوع في أردانهم من مسكٍ سقط أوله، ولا عودة للغافلين من محجٍ تخيّروه، أكثر من مائة شمعةٍ تُضاء احتفاءً بديمقراطية "القطيع" وسلامٌ في دارٍ فضوا فوها لتتغنى بما يتغنى به المنعمّون بالفضائيات التبشرية، من عهدِ نوحٍ إلى عهد الجسد الحلال.

تخففوا تصلوا يا أيها المتعبون.

عفاف خلف

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى